الفكر النهضوي في الأردن .. بين الأصالة والتجديد والاستقرار الحضاري
د. بركات النمر العبادي
26-11-2025 11:57 AM
في زمنٍ تتقاطع فيه تيارات الفكر بين التحديث الشامل والحفاظ على الهوية ، يقف الأردن نموذجًا عربيًا فريدًا في مسعاه لتحقيق نهضة فكرية متدرجة ، لا تنسخ الآخرين ولا تنغلق على الذات ، إنها نهضة تجمع بين الأصالة والمحافظة ، وبين الانفتاح والعقلانية ، لتعيد بناء الوعي الوطني على أسس فلسفية وإنسانية متينة.
أولاً: النهضة كوعي فلسفي لا كشعار سياسي
الفكر النهضوي ليس مشروعًا سياسيًا بحتًا ، بل مشروعًا معرفيًا يهدف إلى تحرير الإنسان من الجمود ، وإطلاق طاقته الإبداعية في ضوء قيم العدالة والعقل والتجديد ، فمنذ بدايات الدولة الأردنية ، كانت الفكرة الجوهرية أن النهضة تبدأ من العقل المتعلم ، وأن التعليم والثقافة هما سلاح الوجود والاستمرار ، لقد جسّد الملك المؤسس عبدالله الأول طيب الله ثره ، هذه الرؤية عندما ربطة بناء الدولة بالمعرفة، وأسس أولى المؤسسات التعليمية والثقافية التي جعلت من الأردن مركزًا فكريًا عربيًا.
ومع مرور العقود ، استمر هذا الوعي في التحوّل إلى مشروع وطني شامل ، يستمد شرعيته من التوازن بين الموروث الديني والاجتماعي وبين قيم الحداثة والتنوير. ويقول المفكر الأردني زهير توفيق : "النهضة ليست في التخلّي عن التراث ، بل في إعادة قراءته بوعي تاريخي نقدي يسمح للذات أن تكون فاعلة في زمانها."
ثانيًا : السياسة والفكر النهضوي — من الدولة إلى المشروع
تواجه النهضة تحدّيًا حاسمًا : كيف تتحول الرؤية إلى مؤسسات؟ ففي الأردن، تشكّل الدولة بحد ذاتها إطارًا للنهضة المنظمة ؛ فهي تقوم على رؤية سياسية تجمع بين الاعتدال والاستمرارية ، وبين الإصلاح التدريجي والاستقرار الاجتماعي. ويقول منتدى الفكر العربي في أحد تقاريره : "إن المشروع الوطني الأردني لا يمكن فصله عن الفكر النهضوي العربي ، فكلاهما يسعى لبناء دولة مدنية حديثة تستند إلى منظومة قيم عربية إنسانية."
لكن هذه الرؤية كثيرًا ما تصطدم بتحديات التطبيق ، مثل ضعف المشاركة السياسية أو غياب خطاب فكري موحد. وهنا يصبح التجديد الفكري ضرورة وجودية ، لا ترفًا ثقافيًا.
ثالثًا: الفكر المحافظ الأردني… ضمانة للتماسك الاجتماعي
الفكر المحافظ في الأردن ليس نقيضًا للنهضة، بل هو رافد من روافدها الأساسية ، فالمجتمع الأردني ، بتكوينه القبلي والديني والأخلاقي و القيمي ، يمتلك منظومة قيم تحافظ على التماسك والاستقرار. هذا الفكر المحافظ — القائم على التدرّج والاعتدال — ساهم في تجنيب الأردن صدمات فكرية وسياسية عصفت بدول أخرى.
يرى بعض المفكرين أن النهضة الحقيقية لا تكون بالقطيعة مع الماضي ، بل ببناء جسر بين القيم الأصيلة وروح التغيير ، و يقول الكاتب ناصر الزيادات في مقاله عن المجتمع الأردني المحافظ: "لقد أفشل الوعي الشعبي الأردني كل محاولات القفز على الهوية ، لأن التغيير الحقيقي لا يتم إلا حين ينبع من الذات، لا حين يُفرض عليها من الخارج."
رابعًا: نحو نهضة أردنية متوازنة
لكي تستعيد النهضة الأردنية حضورها الفاعل ، لا بد من خطوات فلسفية وسياسية متكاملة:
1. إصلاح التعليم والفكر النقدي: تحويل المدرسة والجامعة إلى فضاء للحوار لا للحفظ.
2. توسيع الفضاء العام: تعزيز حرية التعبير وتفعيل الأندية الثقافية والمراكز الفكرية المستقلة.
3. دمج الشباب في صناعة القرار: ليس كمستفيدين من الدولة، بل كشركاء في بنائها.
4. تجديد الخطاب الديني والاجتماعي: ليكون محافظًا في جوهره، منفتحًا في لغته، مستنيرًا رؤيته.
5. إعادة قراءة التراث: برؤية فلسفية نقدية ترفض الجمود وتستبقي على الجذور
خامسًا: الخاتمة — النهضة كوعيٍ متجدد
النهضة ليست لحظة في التاريخ ، بل حالة دائمة من الوعي ، إنها دعوة إلى إعادة تعريف الإنسان في علاقته بالزمن ، وبالمعنى، وبالمجتمع.
في الأردن ، تظل النهضة مشروعًا متوازنًا بين العقل المحافظ والروح المبدعة ، إنها محاولة لإعادة رسم المعادلة التي تحكم الوجود:
كيف نكون أوفياء لتراثنا دون أن نُسجن فيه ؟ وكيف نصنع المستقبل دون أن ننسلخ عن ذاكرتنا؟
إن النهضة ، كما يعبّر عنها الفكر الأردني الأصيل ، ليست صراعًا بين القديم والجديد ، بل حوارًا أبديًا بين الجذر والسماء — بين ما نحمله من تاريخ ، وما نطمح أن نصبح عليه.
حمى الله اردننا ملك و شعبا .
* حزب المحافظين الاردني