العقلاء وحدهم يرتقون بالأوطان
صالح الراشد
27-11-2025 10:58 AM
فقدت العديد من دول العالم أمانها الداخلي في ظل الكوارث المتتالية التي تصيبها، وبرزت أوجاع العديد منها بتوالي الأخطاء السياسية والاقتصادية دون ظهور متهمين بالتقصير أو الجهل، وعدم امتلاك أي مسؤول القدرة على الاعتراف بأخطائه الظاهرة للعيان فضاعت دول ودُمرت أخرى، لأن رؤية هؤلاء المتحكمين تقتصر على مشاهدة المظهر الخارجي دون أدنى اهتمام بالجوهر، لتظهر الطبقية الاجتماعية بأسوأ صورها ونتائجها في ظل اشتداد صراع الحصول على المال، ولان المسؤولين لم يحاسبوا ثرياً على مصدر أمواله، بل ان بعض الدول تعبث بالقضاء وقيمه حين يكون المتهم رجلاً هاماً وذو مكانة ومقرباً من مراكز الحكم.
وتبحث دول متعددة على تعزيز هيبتها وسيادتها وقرارها السياسي، وهذه أمور لا يمكن امتلاكها في حال اعتماد الدول على المنح والدعم الخارجي، كون الدول التي تعتمد على غيرها ستصفق في النهاية لكل قرار يتخذه المانحون حتى لو كان ضد وجودها، وهذا أمر كان واضحاً في فرض الخطة الأمريكية على قطاع غزة واعادة فرض الوصاية عليه، فصفقت الدول التي تدور في الفلك الأمريكي وتلك التي ترتعب من قوة واشنطن العسكرية والسياسية، ولإظهار قوة الدول المرتجفة فانها تتحول للاعتماد على المهرجين بدلاً من السياسيين وعلى الفضوليين بدلاً من الاقتصاديين، وترفع ما شأن التافهين بدلاً من الاعتماد على الفلاسفة وأصحاب الفكر، ليتم وضع التافهين في مناصب تفوق قدراتهم بغية تشتيت الرأي العام.
وتعتبر سياسة الاعتماد على الظواهر الصوتية والتافهين من أخطر ما يصيب الدول، كونها تساهم في تجفيف منابع الأخلاق لاختفاء العلماء، وبالتالي تحقق هذه السياسات المتعبة الهدف المريض بجعل العقول متصحرة والقلوب كقلوب العصافير ترتجف من أي هزة، لتبكي العيون على الفضائيات لخسارة مباراة ولا تهتز لضياع وطن، لنشاهد في عصرنا الخالي من الهيبة غضب البعض على ضياع القدس وحرب الابادة في غزة بالرقص في الحفلات الغنائية والخروج أفواجاً لنصرة منتخبات لكرة القدم،، ويزداد الخوف على الأوطان حين يرفع فيها شعار الحرية جيل من الدهماء فاقدين الوعي والنضج والأخلاق، وهو ما يتسبب في تفتيت النسيج الاجتماعي والوطني وبالذات إذا كان الولاء للأشخاص والارتقاء لقوة التملق لا لمكانة المعرفة والقدرة على الإنجاز.
وكمحصلة لهذه المخاطر مجتمعة تضعف مكانة الدول وبالذات في حال سيطرة مجموعات غير مؤهلة على مراكز القرار، وهذا مشهد موجود في العديد من دول العالم التي تملك ثروات عظيمة وشعوبها يتضورون جوعاً، ومثال ذلك فنزويلا التي تملك أكبر مخزون نفطي في العالم ويكتفي قادتها بإطلاق الشعارات لشعب من أصحاب الأمعاء الخاوية، رغم أن الأصل أن تكون دولتهم إحدى درر الكون، لكن سوء القرار السياسي والاجتماعي والبحث المجنون عن السلطة جعل الكثيرين من أبناء فنزويلا يعتمدون على تجارة المخدرات، وعلى ذات الطريق يسيطر أشخاص وجماعات وأحزاب على مقاليد الحكم في دول ثرية بالمواد الطبيعية وشعوبها لا ينالون من ثرواتها شيء، لتشكل هذه الدول خطر كبير على كل من يجاورها أو يقترب منها.
آخر الكلام:
الاختباء وراء الشعارات الرنانة أضاع هيبة ومكانة دول غنية، ونجحت أخرى فقيرة بالثروات غنية بالفكر في فرض هيبتها ومكانتها بقدرة قادتها على التعامل مع الأحداث وجعلها تصب في مصالح شعبها.