التعاقد مع شركات الإنتاج الخاصة لتنفيذ برامج التلفزيون
المخرج رائد عربيات
27-11-2025 06:38 PM
يمتلك التلفزيون الأردني قدرات بشرية وتقنية وفنية كبيرة، تشكل قاعدة صلبة لأي عملية إنتاج تلفزيوني مُحترفة. فالمؤسسة تضم كفاءات عالية في مجالات التصوير والإخراج والديكور والهندسة والصوت والمكياج، فضلًا عن استوديوهات ضخمة لا يضاهيها أي موقع إنتاج آخر في المملكة. هذه الإمكانات الهائلة لا تحتاج سوى إلى إدارة تستثمر هذه الطاقات وفق خطط إنتاجية مدروسة، تصنع محتوى مؤثرًا وهادفًا يليق بالمؤسسة الوطنية.
ومع ذلك، تلجأ المؤسسة – شأنها شأن أي قناة – أحيانًا للاستعانة بإعلاميين أصحاب حضور قوي لتنفيذ برامج ذات طبيعة خاصة، وهذا أمر مبرّر عندما يملي المحتوى الحاجة لخبرات محددة. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يتم التعاقد مع شركات ومكاتب إنتاج خاصة – بعضها ناشئ – لتنفيذ برامج التلفزيون، رغم توفر معظم الإمكانيات داخل المؤسسة؟
ما يثير التساؤل أكثر هو أنّ هذه الشركات تتقاضى آلاف الدنانير، وفي النهاية تستخدم استوديوهات المؤسسة نفسها، وتستعين بفنييها ومهندسيها وفنيي الديكور والمكياج، إضافة إلى الخدمات التي يوفرها قسم الأعمال الإبداعية. أي أننا ندفع مبالغ طائلة لشركات خاصة مقابل خدمات تُؤدى أصلًا داخل المؤسسة ومن كوادرها! وهنا يظهر خلل كبير في إدارة الموارد، ويترتب عليه إرهاق غير مبرر لميزانية التلفزيون.
ولعل هذه المبالغ كان من الأجدى أن تُوجّه نحو إنتاج أعمال درامية وطنية، تستعين بالمبدعين والفنانين والكتّاب الأردنيين، وتحكي قصة الأردن وسرديته وهويته ورسائله التي تستحق أن تُروى.
لا أحد يعارض فكرة شراء برامج جاهزة من شركات إنتاج محترفة، فهذا معمول به في جميع المحطات، وهو أمر صحي عندما تُقدّم تلك الشركات أعمالًا مكتملة الإنتاج ويتم تقييمها فنيًا ومضمونيًا قبل شرائها. لكنّ الإشكالية تكمن في التستر خلف مكاتب إنتاج تقوم فعليًا باستنزاف أموال المؤسسة، بينما ينفّذ العمل في جوهره بكوادر التلفزيون نفسها، ما يترك انطباعًا سلبيًا لدى الموظفين ويشعرهم بأن قدراتهم تُهدر لصالح مكاسب خارجية.
وإذا كان في السوق المحلي فنيون مميزون، فمن الأفضل ببساطة شراء خدماتهم مباشرة لصالح المؤسسة بدل تمريرها عبر مكاتب تعمل بدور الوسيط فقط.
الواقع أن كثير من الانتاجات المحليه والعربية يستعان بشباب من التلفزيون الأردني لتنفيذها ، وهذا اعتراف ضمني بقيمتهم ومهنيتهم. فما الذي يمنع المؤسسة من منحهم المساحة نفسها داخل بيتهم؟
في النهاية، لا بد من كلمة حق:
الصدق والصراحة هما الطريق الوحيد لتصحيح المسار. تزيين المشهد بكلام منمق لا يخدم الحقيقة ولا يرتقي بالمؤسسة. المطلوب رؤية واضحة، تُعلي من شأن الكفاءات الوطنية، وتحافظ على المال العام، وتعيد للتلفزيون الأردني مكانته باعتباره بيتًا لكل أبنائه.
ودامت مؤسستنا وبيتنا العامر بخير.