facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هل هناك مَن يخفف الحمل عن وصفي؟!


محمود الدباس - أبو الليث
28-11-2025 04:37 PM

كان وصفي يا سادة.. يشبه ذلك الصوت الذي يخرج من قلب الأرض نفسها.. لا من حلق رجلٍ عابر.. صوتٌ لا يحتاج أن نكون من جيله كي نفتحه على سمعنا.. فالرجل الذي استشهد وهو يحمل وجع الوطن.. لم يكن يحتاج إلى زمنٍ يعرّفه.. كان يكفي أن نسمع عنه من أفواهٍ التصقت به.. وأن نقرأ له.. وعنه.. مما تركته يداه وتركته الأيام.. كي نعرف أننا أمام رجلٍ لم يكن يشبه.. إلا الوطن حين يغضب.. وحين يحنّ.. وحين يرفض الانكسار..

أنا لست من أولئك الذين يسمّون أنفسهم الوصفيين.. ولا أؤمن بأن الأردن ماتت فيه القدرة على إنجاب أمثال وصفي.. لكنني أؤمن أن الرجال مواقف.. وأن لقب رجل لا يستحقه الكثير من ذكور حاضرنا.. وأن البلد اليوم يغصّ برجال يحملون ربطات عنق مشدودة.. وأيدٍ ترتجف.. وقامات ترتفع بالكراسي لا بأنفسها..

بينما وصفي كان يمشي بلا كرسي يحمله.. وبلا قيد يمنعه.. كان يمشي بثقل وطنٍ كاملٍ فوق كتفيه.. وكأنه عمود اساس في هذا البيت.. لا ضيفٌ عابر في دهاليزه.. فحاز على ثقة القائد قبل الشعب..

أكتب عن وصفي.. لأن الموت لا يقطع الإحساس.. ونحسبه شهيداً عند رب العالمين.. والشهداء لا يغيبون.. هم حاضرون معنا.. وحاضرون في ذاكرة الناس.. وحاضرون في سؤالٍ نعيده كل صباحٍ.. وكل مساء.. حتى صارت روحه المثقلة بهموم الأردنيين.. تتضاءل من النداء الذي لا ينقطع.. وكأننا أمة لا تتوقف عن قرع أبواب الموتى.. وترفض أن تفتح أبوابها للأحياء.. فهل نرحم رجلاً تعب في حياته.. لنكمل تعبه وهو في قبره؟!..

كم تمنيت لو أننا قسّمنا حاجتنا إلى وصفي على رجالٍ يشبهونه.. لو أننا زرعنا بعض النداء في صدور مَن بقوا.. كي لا نحمّل الرجل فوق طاقته.. وكأن الأردن أصبحت عقيمة.. لا تلد إلا مرة واحدة في القرن.. ولا تعيد الكَرة مهما توسّلت لها الحاجة.. وكأن الشجاعة نفسها أصبحت يتيمة.. تبحث عن صاحبها في الأصلاب ولا تجد..

ومن هنا.. أمضي بهذه الكلمات إلى جلالة الملك.. وأقول يا سيدي إن هذا الوطن لا يحتمل مسؤولاً.. يخاف من الكرسي أكثر مما يخاف على الناس.. ولا يحتمل رجلاً.. لا تهتز شخصيته حين يدخل مكتبه فقط.. وتكبر قامته فقط عندما يجلس خلف طاولته.. نريد مسؤولاً يكون أكبر من منصبه.. لا أصغر من صورته.. ومسؤولاً يُقال بعد شهر.. أو شهرين إن لم يكن على قدر المسؤولية.. لأن الأوطان لا تعيش بالمجاملة.. بل بالمحاسبة..

ويا لفرحتنا لو سمعنا يوماً.. أن رئيس الوزراء المكلّف.. يطرق الباب وهو يحمل شروطه.. لا أن يدخل وهو يحلم بعلم الأردن على مقدمة سيارته.. وبصفارةٍ ولطّاشاتٍ تفتح له الطرقات.. وكأنه لم يدخل لخدمة الوطن.. بل دخل ليستعرضه.. لو جاءنا رئيس بخطة واضحة.. قبل أن يجلس.. لعرفنا من أين سيبدأ.. ولأي دربٍ سيأخذنا.. ولأول مرة في عمر الحكومات.. نستطيع أن نحاسبه على خط رسمه بيده.. لا على نصٍ محفوظٍ يقرأه في رد كتاب التكليف السامي.. ويختبئ بعده في ظل الملك..

سيدي.. لقد تجنّى كثير من المسؤولين على الأردنيين.. ليس فقط في المكاسب والمحسوبيات.. ولا في فسادهم الذي تعلمنا أن نضعه تحت بند النصيب.. بل تجنّوا على عقول الناس.. صار الواحد منهم يكذب على تاريخه القريب.. وهو يعرف أننا نراه ونعرفه مثله.. وينفي حقائق يعرف أنها معلّقة أمام وجوهنا.. ويتلاعب بالألفاظ معتقداً أننا نخدّر بسهولة.. ثم يعطينا نظرة متعجرفة.. كأنه الأستاذ ونحن التلاميذ.. كأنه الكبير ونحن القاصرين..

بينما الأردني لا يعيبه أن يكون فقيراً.. يعيبه فقط أن يُعامل كطفلٍ لا يعقل.. وأن يُنظر إليه كجاهلٍ لا يفرّق بين الهمسة والإيماءة والكلام المنمق..

في النهاية.. لا أملك إلا أن أقول.. رحم الله وصفي التل.. شهيد الوطن.. رجل الموقف.. الذي رحل واقفاً.. وبقينا نحن نبحث عمن يقف مكانه..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :