facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




استراتيجية العناقيد هل تمثل الحل الجذري لأزمة التعليم العالي في الأردن؟


أ. د. هاني الضمور
30-11-2025 12:48 AM

على مدى ثلاثة عقود، حاولت الجامعات الأردنية مواكبة التوسع في أعداد الطلبة، وتلبية متطلبات سوق العمل، وتحقيق حضور إقليمي ودولي في التصنيفات العالمية. ورغم الجهود المبذولة، ما زالت التحديات الأساسية قائمة: بطالة بين الخريجين، تكرار غير مبرر للتخصصات، ضعف في البنية البحثية، وغياب التخصصية بين الجامعات. وفي ظل هذه الصورة المقلقة، تبرز استراتيجية العناقيد (Clusters Strategy) كأحد أكثر الحلول واقعية وعمقاً لإصلاح قطاع التعليم العالي، بوصفها منهجاً يعتمد على التكامل لا التنافس، وعلى التخصص لا التكرار، وعلى الارتباط المباشر بالاقتصاد لا الارتجال في البرامج.

استراتيجية العناقيد ليست مجرد فكرة تنظيرية؛ بل إطار عملي يربط الجامعات مع القطاعات الاقتصادية والصناعية في كل إقليم، بحيث تعمل كمنظومة واحدة لا كجزر منفصلة. وهي تشكل انتقالاً من الجامعة «الشاملة لكل شيء»، إلى الجامعة «المتخصصة التي تضيف قيمة». هذا التحول، لو أُحسن تطبيقه، يمكن أن يغير شكل التعليم العالي في الأردن جذرياً.

وتقوم فكرة العناقيد على إنشاء مجموعات تخصصية مترابطة بين الجامعات في الشمال والوسط والجنوب، تُبنى على ميزات كل إقليم. فالشمال مثلاً يمكن أن يتحول إلى مركز للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مستفيداً من تواجد جامعة العلوم والتكنولوجيا واليرموك، والبنى التكنولوجية المحيطة. أما الوسط، حيث العاصمة عمّان والمستشفيات الكبرى وشركات التكنولوجيا المالية، فهو المرشح الطبيعي لعنقود العلوم الطبية والاقتصاد الرقمي. وفي الجنوب، حيث الموارد الطبيعية والسياحة، تتشكل أرضية مثالية لعنقود الطاقة والتعدين والسياحة البيئية.

بهذا التوزيع، تقلّ الحاجة إلى تكرار البرامج ذاتها في كل جامعة، وتتحول الجهود إلى التخصص والتميز، وتنخفض كلفة البنية التحتية والموارد البشرية، لأن الجامعات داخل العنقود تتشارك المختبرات، والخبراء، والمشاريع، والشراكات الدولية. ويصبح البحث العلمي جزءاً من اقتصاد المنطقة، لا نشاطاً منفصلاً عن واقعها. فالبحوث في عنقود الجنوب مثلاً يمكن أن تركّز على الطاقة المتجددة والتعدين، بينما يوجه عنقود الشمال أبحاثه نحو التقنيات المتقدمة والتطبيقات الصحية الرقمية.

الأثر الأكبر لهذه الاستراتيجية هو قدرتها على معالجة مشكلة البطالة بين الخريجين. فحين تُبنى البرامج الأكاديمية وفق حاجات العناقيد الاقتصادية، يصبح تخريج الطلبة مرتبطاً مباشرة بالفرص المتاحة في كل منطقة، لا باختيارات فردية قد لا يجد أصحابها عملاً لاحقاً. كما تساعد الاستراتيجية في خلق منظومة ريادية متكاملة، عبر إنشاء حاضنات أعمال ومسرّعات داخل كل عنقود، تربط الطالب بريادة الأعمال قبل التخرج وبعده، وتجعل الجامعة بيئة لإطلاق الشركات الناشئة، لا مجرد قاعة محاضرات.

وتؤدي العناقيد كذلك إلى تحسين التصنيفات العالمية للجامعات الأردنية، لأن التخصص يرفع جودة البحث العلمي، ويجذب الشراكات الدولية المستهدفة، ويخلق روافع للتميز الأكاديمي يصعب تحقيقها في الجامعات الشاملة المتشابهة. فالشراكات الدولية تصبح أكثر فاعلية حين تكون مبنية على تميز تخصصي، وليس على علاقات عامة أو بروتوكولات.

ولكن تطبيق استراتيجية العناقيد يتطلب أكثر من رغبة؛ إنه يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة، وتشريعات جديدة توزع البرامج وفق حاجة كل عنقود، وتمنح الجامعات استقلالاً موسعاً في نطاقها التخصصي، وتضع نظاماً للمساءلة يربط الدعم الحكومي بالأداء والجودة والشراكات. كما يحتاج إلى قيادة تنفيذية قوية تُدير العناقيد وتنسق بينها وتوجه جهودها نحو أهداف اقتصادية وطنية محددة.

إن التحول نحو نظام العناقيد ليس مجرد إصلاح جزئي، بل إعادة تصميم لمنظومة التعليم العالي برمتها. وهو الطريق الأكثر اتساقاً مع التجارب الدولية التي استطاعت من خلاله أن تربط الجامعات بالدورة الاقتصادية الحقيقية، وأن تجعل التعليم العالي رافعة للنمو والرأسمال المعرفي.

واليوم، يقف الأردن أمام فرصة تاريخية لإعادة تشكيل منظومة التعليم العالي بطريقة تجعلها قادرة على المنافسة إقليمياً وعالمياً. وإذا ما تبنى صانع القرار استراتيجية العناقيد بجدية، فسنكون أمام بداية جديدة لجامعات تعمل بتخصص، وتنتج معرفة، وتخلق وظائف، وتشارك بفاعلية في صناعة مستقبل الاقتصاد الوطني.

استراتيجية العناقيد ليست خياراً إضافياً؛ إنها الحل الأكثر واقعية لمعالجة مشكلات مزمنة، وبناء نظام تعليمي أكثر ذكاءً، وأكثر ارتباطاً بالاحتياجات الحقيقية للدولة والمجتمع. إنها الفرصة التي يجب أن تُمسك الآن قبل أن يفوت الأوان.

الدستور





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :