حين يحتاج الوطن أصواتهم يختفون!
م. محمد العمران الحواتمة
01-12-2025 10:41 AM
في هذا البلد الذي تعلمنا على ترابه معنى الرجولة ، نكتشف في كل محطة أن الوطن لا يخطئ حين يميز بين من يخدمه فعلاً وبين من يختبئ خلف ضوء شاشة . نكتشف أن الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً تحت مسمى “مؤثرين” ليسوا إلا أصواتاً فارغة لا تسمع حين يرتفع صوت الأردن . تراهم حاضرين في كل إعلان وفي كل مطعم جديد وفي كل رحلة مدفوعة الأجر ، وتراهم يتسابقون على الفلاتر والضحكات المصطنعة ، لكنك لا تراهم حين تتطلب البلاد كلمة ، أو موقفاً ، أو مجرد حضور إنساني يشعر الناس أن لهذه البلاد أبناءاً يليقون بها .
وقبل أيام فقط ، قدم نشامى المخابرات والأمن العام درساً جديداً في معنى أن تكون رجلاً حقيقياً في زمن الاستعراض . وقفوا حيث لا يقف غيرهم ، واجهوا الخطر دون إعلان ، ودون تصوير ، ودون اعتذار . فعلوا ما يفعل الرجال : تصدروا الصفوف بلا ضجيج ، وصنعوا الأمن بصدورهم قبل أسلحتهم . وفي تلك اللحظات التي ارتجف فيها القلب فخراً ، بحثنا حتى بدافع الفضول عن أولئك الذين لا يغيبون عن شاشاتنا في الأيام العادية … فلم نجد لهم أثراً . لا كلمة ، لا موقف ، لا حتى احترام واجب للحظة وطنية تستحق أن يرفع لأجلها الصوت.
وغداً ، حين يقف منتخبنا في كأس العرب ، ويرفع الراية في وجه المنتخبات ، ويهتف الجمهور باسم الأردن ، سيظهر المشهد ذاته : الوطن في الساحة ، والنشامى في الساحة ، والناس في الساحة … وأصحاب “التأثير” في غيابهم الأزلي . هم لا يعرفون الوطن إلا حين يكون خلفية جميلة لفيديو ، ولا يفهمون الانتماء إلا حين يكون محتوى يصلح للترند . يملؤون العالم حضوراً في الترف ، ويغيبون تماماً في الجد . كأنهم مؤثرون على كل شيء … إلا على أنفسهم .
في كل مناسبة وطنية ، في كل موقف يحتاج كلمة صادقة أو دعماً معنوياً ، في كل لحظة يصبح فيها الأردن عنواناً للرجولة ، نرى من يحمون هذا البلد بأفعالهم بينما يلوذ الآخرون بالصمت . والفرق بين الاثنين ليس فرقاً في الشهرة ، بل في القيمة . الأولون يصنعون أمن البلاد دون انتظار مقابل ، والآخرون يصنعون مقاطع لا تعيش أكثر من 24 ساعة . الأولون يعيشون لأجل الوطن ، والآخرون يعيشون لأجل المشاهدات . الأولون يتركون أثراً ، والآخرون يتركون ظلاً لا يذكر .
والمؤلم ليس غيابهم … بل ادعاؤهم الحضور . المؤلم أن يتزين البعض بلقب “مؤثر” دون أن يؤثر بكلمة واحدة حين يكون الوطن بحاجة إلى كلمة . المؤلم أن يطلبوا الاحترام دون أن يقدموا ما يستحق الاحترام . المؤلم أنهم يطاردون الترند ، لكنهم لا يطاردون الشرف . يختفون حين ينادي الوطن ، ثم يعودون عندما تعود الحياة إلى ترفها، كأن البلاد مكان للتصوير لا مكان للولاء .
لكن الأردن لا تُقاس قيمته بعدد من يتحدثون عنه ، بل بعدد من يقفون لأجله . وهذا البلد عرف أبناءه الحقيقيين ، وعرف من حمله في القلب وليس في المنشورات . وعرف من كان هنا حين احتاجه ، ومن اختفى كأن الوطن لا يعنيه . سيبقى الأردن عالياً بمن يحرسه ويتقدم لأجله ، لا بمن يكتفي بالمشاهدة . وسيبقى الصوت الحقيقي هو صوت النشامى … لا أصوات الوهم التي تطفئها أول لحظة جد .
إن الوطن يظهر حقيقة الناس … ولحسن الحظ ، لم يخطئ يوماً