facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الهويّة الرقميّة: حقٌّ جديدٌ في زمنٍ تتحكّم فيه الخوارزميّات


د. عُريب المومني
01-12-2025 08:09 PM

في السنوات الأخيرة، لم يَعُد السؤال: من أنت؟ بل أصبح: كيف تتعرّف عليك الأنظمة؟ فالهويّة التي كانت تُثبت بالوجه والصوت والوثيقة الورقيّة، باتت اليوم تُنشأ على شكل سجلٍ رقميّ، وتُؤكَّد ببصمة، وتُفعَّل برمز، ويُمكن تعليقها أو تجميدها بضغطة زر. هكذا تحوّل الإنسان - دون أن يشعر - إلى كيانٍ يعتمد وجوده القانونيّ على بنيةٍ تقنيّة قد لا يراها ولا يفهم آليّاتها.

فمعظم دول العالم اليوم تتّجه إلى اعتماد الهويّة الرقميّة لتسهيل الحصول على الخدمات الحكوميّة والصحيّة والتعليميّة والماليّة. ومع أنّ هذا التحوّل يُعدّ خطوةً مهمةً نحو تحديث الإدارة العامّة، إلّا أنّه يفتح باباً واسعاً لقضيّةٍ حقوقيّةٍ أساسيّة وسؤالٍ جوهريّ مفاده: هل أصبحت حياة الأفراد وحقوقهم تعتمدُ بشكلٍ كاملٍ على نظامٍ رقميّ قد يُخطئ أو يتعطّل؟

في البداية لا بُدّ من التعريف بالهويّة الرقميّة. فهذه الهويّة ليست مجرد بطاقةٍ إلكترونيّة أو اسمِ مستخدم، بل مجموعةُ بيانات متراكمةٍ تُعرّف الشخص في الفضاء الرقميّ، وتشمل عادةً: الرقم الوطنيّ، البيانات الشخصيّة، السجلات الصحيّة والماليّة، وبصمات أو خصائص بيومترية مثل بصمة العين. وإنّ وجود هذه الهويّة يسمح للفرد بالوصول إلى خدمات أساسيّة مثل: الدعم الحكوميّ، التأمين الصحيّ، الرواتب، التعليم، الخدمات البنكيّة، وحتى المرور عبر البوابات الإلكترونيّة، وغيرها من الخدمات.

إذ أصبح الوصول إلى هذه الخدمات يعتمد على هذه الهويّة، وفي حال تعطّل النظام أو حدوث خطأ في البيانات فإنّ الشخص يفقد إمكانيّة الاستفادة من تلك الخدمات. وبذلك يتحوّل الخلل التقنيّ من مشكلةٍ تكنولوجيّةٍ إلى انتهاكٍ واضحٍ لحقوق الإنسان.

فالهويّة الرقميّة اليوم ليست مُجرّد خدمةٍ تقنيّة، بل أصبحت جزء من الحقوق المدنيّة الأساسيّة التي يجب أن يحميها القانون، إذ ترتبط بالعديد من الحقوق الأخرى ومنها: الحقّ في الاعتراف بالشخصيّة القانونيّة، الحقّ في الوصول إلى الخدمات العامّة دون تمييز، والحقّ في الأمان الشخصيّ والخصوصيّة.

وفي ظلّ توجّه الدول للاعتماد على التكنولوجيا للوصول إلى الخدمات الأساسيّة تظهر العديد من التحدّيات والمخاطر الحقوقيّة من بينها: الاستبعاد الرقميّ؛ فالفجوة الرقميّة قد تُقصي الأفراد ممّن لا يملكون هواتف ذكيّة أو إنترنت من الوصول إلى الخدمات، كما أنّ أي خطأ تقنيّ بسيط في النظام قد يحرم الفرد من خدمات حياتيّة مهمّة، إلى جانب خطر تهديد الخصوصيّة؛ فالهويّة الرقميّة تجمع كميّةً ضخمةً من البيانات، وهذا يتطلّب وجود ضوابط واضحة لحماية الخصوصيّة والبيانات.

إنّ ترسيخ الحقّ في الهويّة الرقميّة يتطلّب إطاراَ قانونيّاً يُوازن بين متطلّبات الأمن الرقميّ وحقوق الإنسان، ويضمن للمواطن سيطرةً فعليّةً على بياناته، وحقّاً واضحًاّ في معرفة كيفيّة استخدام هذه البيانات ومن يُمكنه الوصول إليها. كما يتطلّب آليّات اعتراضٍ فعّالة تُتيح للفرد تصحيح الأخطاء، والطعن في الإجراءات التي تمسّ وجوده القانونيّ داخل الأنظمة الرقميّة، وتوفير مسار اعتراض فعّال على القرارات الرقميّة قبل اللجوء للقضاء من خلال موظفٍ بشريّ مسؤول عن مراجعة الأخطاء.

وفي النهاية، لا جدال بأنّ الهويّة الرقميّة تُمثّل خطوةً مُهمّةً في تحديث الدولة وتيسير الوصول إلى الخدمات، لكنّها ليست مسألةً تقنيّةً فقط، بل هي اليوم جزءٌ من البنية الأساسيّة لحقوق الإنسان. وأنّ النقاش حولها لم يَعُد مُؤجّلاً؛ لأنّ الاعتماد على الأنظمة الإلكترونيّة يتزايد يوماً بعد يوم، ويجب أن يُرافقه حماية قانونيّة تضمن أن يظلّ الإنسان مركز العمليّة الرقميّة، وأن تبقى التكنولوجيا خادمةً للحقوق لا بديلةً عنها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :