facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إسرائيل: إعادة تشكيل الهوية في ظل تحولات القوة والديموغرافيا


د. عماد الحمادين
01-12-2025 09:40 PM

تواجه إسرائيل اليوم معضلة بنيوية تتعلق بعناصر الدولة الثلاثة: الأرض، والسكان، والسلطة. فبينما تسعى الحكومة الإسرائيلية مدفوعة بصعود اليمين القومي–الديني إلى تثبيت هوية "الدولة اليهودية"، تُقيّدها مجموعة من المتغيرات: الواقع الديموغرافي الفلسطيني المتنامي، الحدود الجغرافية المتنازع عليها، الالتزامات القانونية الدولية، والانقسامات الداخلية بين مكوّنات المجتمع الإسرائيلي. لذلك، مستقبل بنية الدولة الإسرائيلية سيُحسم من خلال تفاعل أربعة محركات رئيسية: (1) السياسات الداخلية الإسرائيلية ودور اليمين الديني، (2) الديناميات الديموغرافية، (3) الضغوط والفاعلية الدولية، و(4) التطورات الأمنية الإقليمية والحروب/التهدئة على الأرض.

استندت الجذور الدينية للصهيونية منذ مؤتمر بازل 1897 إلى رواية "الحق التاريخي"، وهو ما كرّره لاحقاً قادة إسرائيل من جابوتنسكي إلى نتنياهو الذي يؤكد في كتابه مكان تحت الشمس أن الأرض ليست ملكاً عاماً يتوارثه الشعوب، بل "هِبة إلهية لليهود". وقد أدّت هذه السردية، مدعومة بذاكرة الهولوكوست، إلى خلق تعاطف دولي مكّن إسرائيل من تجاوز كثير من الاعتبارات الأخلاقية والسياسية. وبالرغم من ان هذه السرديه لاتمت للقانون بأي صفة فان اسرائيل نجحت مع الوقت واسنادها بكثير من الشواهد التاريخية والاحافير للوصول الى سند تاريخي مادي اصبحت سردية مترسخة في الوجدان اليهودي والغربي.

بعض الدراسات التي يناقشها محسن صالح (2020) تشير إلى أن نسبة كبيرة من اليهود المعاصرين ترجع أصولهم إلى الجماعات الخزرية في القوقاز، وليست مرتبطة تاريخيًا بفلسطين، وهو ما يوظَّف في النقاشات حول شرعية "الحق التاريخي"”:إن أكثر من 80%من اليهود المعاصرين ـ حسب دراسات عدد من اليهود أنفسهم مثل الكاتب الشهير آرثر كوستلر ـ لا يمتون تاريخياً بأي صلة لفلسطين، (صالح، 2020).

معضلة الديموغرافيا والهوية – التحدي البنيوي الأكبر
يمثّل "الشعب" العنصر الأكثر إشكالية لتشكيل مستقبل الدولة، إذ تقوم الدولة اليهودية على أساس جعل إسرائيل "دولة لليهود فقط"، بينما يقطنها اليوم ما يقارب 7.6 مليون فلسطيني داخل الخط الأخضر والقدس الشرقية، والضفة الغربية وقطاع غزة لمحتل إضافة إلى ملايين اللاجئين الذين يكفل لهم القانون الدولي حق العودة والتعويض. هذا العدد الكبير غير اليهودي هو حاجز بشري وقانوني يمنع قيام دوله خالصة لليهود. قانون القومية الذي أقره الكنيست الإسرائيلي عام 2018، وينص على أن "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، ينكر أي حقوق للشعب الفلسطيني.

يأتي في سياق الهوية الوطنية خطاب ألقاه الرئيس الإسرائيلي السابق رؤوفين ريفلين في مؤتمر هرتسيليا سنة 2015 أثار خلاله أسئلة مقلقة حول هوية دولة «إسرائيل» واستقرارها، حيث أشار إلى أنه لا توجد هوية محددة لدولة إسرائيل فلا يوجد هناك أغلبية إسرائيلية، فـ«إسرائيل» تنقسم الآن إلى أربع فئات وهي صهيونية علمانية تمثل 38 بالمئة ووطنيون دينيون بنسبة 15 بالمئة، وتتساوى تقريبًا نسبة العرب والحريديم وتمثل 25 بالمئة، بحيث تتزايد الفجوات والمسافات بينها تدريجًا. وفي مؤتمر هرتسيليا سنة 2016 أعاد ريفلين القول بأن «إسرائيل القوية ما زالت تعيش أزمتين الأولى وجودية أزمة هوية والثانية وطنية أزمة مجتمع، فهي دولة قوية إلى الآن بحكم العلاقة ولكنها مقبلة على أزمات داخلية كبرى» (حنش، 2023) .

مشكلة الديموغرافيا كانت ومازالت مشكلة اسرائيل الاولى. إجمالي سكان إسرائيل تجاوز 10 ملايين (نهاية 2024 — أو أوائل 2025 حسب التحديثات)، والنسب التقريبية الحالية: نحو 73–75% يهود وحوالي 20–21% عرب (مسجلون كمواطني إسرائيل/دوام إقامة).مع الاخذ بعين الاعتبار ان الاحصاءات الاسرائيليه عادة تستثني سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من سجلاتها. هذا سبب قلق دائم لليمين الشعبوي الاسرائيلي واستغل هذه النقطة بشكل مكنه من البناء عليها وزيادة شعبية الاحزاب اليمينية. معهد الديمقراطيه الاسرائيلي اشار الى ان نسبة الناخبين اليهود الذين يعرفون عن انفسهم ضمن معسكر اليميني ارتفعت من نحو 46% عام 2019 الى 62% عام 2022 مما يعكس تحولا بنويا في المزاج العام وترسيخا لتفوق اليمين الاسرائيلي وذلك قبل حرب غزة (كيلر-لين, 2022).

في سبيل ترتيب البيت الداخلي لقيام دولة خالصة لليهود والتخلص من المقاومة الداخلية كان لابد لاسرائيل من التخلص او على الاقل تحييد القوى في المجتمع الاسرائيلي التي ترى ان للشعب الفلسطيني حقوقا وان القانون الدولي يجب ان يتم احترامه. وهي قوى يسارية وعلمانية تحركها قيم الديمقراطية وهناك ايضا بعض القوى الاخرى الدينية التي ترى في قيام دولة كاملة لليهود بداية النهاية للدولة اليهودية اعتمادا على نبوءات توراتية وشواهد تاريخية سابقة. هذه القوى جرى تهميشها شيئا فشيئا حتى وصول نتنياهو للسلطة 1996 الذي قام بعمل نقله نوعية في بنية المجتمع الاسرائيلي وليس فقط في النخب السياسي بل في المجتمع الاسرائيلي ككل حيث ركز نتنياهو في خطاباته على أمننة الصراع والخوف الذي يشعر به الاسرائيليون وانهم يعيشون بوسط معادي من العرب والمسلمين لذلك لابد من ترتيب البيت الداخلي الاسرائيلي وتغليب اليمينة الشعبوية على القوى اليسارية والعلمانية والدينية الاخرى.

السلطة – بنية السلطة وصعود اليمين القومي- اعادة تعريف الدولة.
السلطة هي العنصر الثالث في الدولة الحديثة حيث الصراع داخل إسرائيل ليس فقط خارجيًا مع الفلسطينيين، بل داخليًا بين مكوّناتها. فقد أدى صعود اليمين القومي والديني، خصوصًا بعد وصول نتنياهو للسلطة منذ الذي يعتبر مهندس التحول من اليهودية الى الصهيونية اليمينة 1996، حيث ادى ذلك الى إعادة تعريف الهوية السياسية للدولة نحو مزيد من التدين القومي. وتهميش التيارات العلمانية واليسارية التي أيّدت حل الدولتين. وتوسيع نفوذ المستوطنين أيديولوجيًا وديموغرافيًا واعادة صياغة سياسات تعليمية ودينية تعزز سردية “أرض الميعاد”.

سمحت اسرائيل بتشكيل احزاب عربية من الخط الاخضر والتمثيل في الكنيست الاسرائيلي حيث تجري انتخابات بشكل مستمر. بعض المواطنين العرب لا يتعاطفون إطلاقا مع دولة إسرائيل ولا يرون أنفسهم جزءا منها في أي جانب. هذا الاتجاه قوي بين مجموعات مثل الفرع الشمالي للحركة الإسلامية وأبناء البلد وجزء كبير من ناخبي التجمع. وفيما يتعلق بكل ذلك، فإن وجود دولة إسرائيل برمته يعتمد على بنية تحتية استعمارية لا تهتم باحتواء الأقلية الأصلية، بل بالسيطرة عليها فقط، وبالتالي فإن أي نضال من أجل تحسين النظام لا طائل من ورائه ولا فائدة حقيقية للأقلية العربية (البريك، 2023).

ان عدد النواب العرب والدروز في الكنيست لا يتناسب مع عدد السكان وليس لهم اي تأثير في السياسة الاسرائيلية وقد يكون دورهم خدماتي اكثر منه تشريعي او مراقب للدولة. (اسيا، 2025)

الاستنتاجات الاستراتيجية
لم تكن فكرة إقامة دولة يهودية خالصة أقرب إلى التحقق مما هي عليه في المرحلة الحالية، وهي المرحلة التي ارتبطت بشكل مباشر بصعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الحكم منذ عام 1996، مع فترات متقطعة، لكنه ظل اللاعب الأكثر تأثيرًا واستمرارية على الساحة السياسية. خلال هذه العقود، تمكن نتنياهو من إعادة تشكيل بنية السياسة والمجتمع في إسرائيل، ودفعهما نحو تطرف أيديولوجي متزايد يخدم مشروعه السياسي ويمنحه قدرة شبه دائمة على تشكيل الحكومات. اعتمد في ذلك على إعادة إحياء السردية الدينية اليهودية بقوة، موجّهًا اتهامات للنخب السياسية التي سبقته بأنها تخلت عن هذه السردية عبر توقيع اتفاقيات السلام التي كانت قد تفتح الباب أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وهو ما يعد نقيضًا تامًا لرؤية اليمين الإسرائيلي.

كما لعب التعليم الديني دورًا أساسيًا في تعزيز هذا التحول؛ إذ أسهمت المناهج والمؤسسات الدينية والمستوطنات في إنتاج أجيال تؤمن بأن الفلسطينيين لا يملكون أي حق في الأرض، وتعتبر وجودهم على أنه عائق أمام اكتمال الدولة اليهودية. وجاءت نتائج استطلاعات الرأي مؤخرًا لتؤكد عمق هذا التحول، حيث أظهرت أن 76% من اليهود يعارضون قيام دولة فلسطينية، وأن نتنياهو يتقدم منافسيه بفارق مريح، الأمر الذي يجعل تجربته نموذجًا ملهمًا لمن سيأتي بعده، بحيث يكون أكثر قومية وتشددًا وتصميمًا على تحقيق مشروع “الدولة اليهودية الخالصة”.

وقد شهدت السنوات الماضية تحولات كبيرة قربت إسرائيل من هذا الهدف، كان أبرزها السعي المنهجي لإفشال مشروع أوسلو والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية عبر التوسع الهائل في المستوطنات، وعمليات الضم التدريجي في الضفة الغربية، وفرض القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، إلى جانب محاولات تجاوز القضية الفلسطينية سياسيًا من خلال “صفقة القرن” واتفاقيات التطبيع مع دول عربية وإسلامية. كل ذلك ترافق مع استراتيجية فرض الأمر الواقع لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا بما يجعل أي مفاوضات مستقبلية حول دولة فلسطينية مجرد فكرة نظرية لا يمكن تطبيقها عمليًا.

وأسهمت الإجراءات الإسرائيلية على الأرض—من توسع استيطاني، وتقطيع أوصال مناطق السلطة الفلسطينية، وخنقها ماليًا، وتدمير البنية التحتية بشكل ممنهج—في دفع السكان الفلسطينيين إلى فقدان القدرة على الصمود، الأمر الذي يُنظر إليه ضمن الأدبيات القانونية على أنه يمكن أن يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. وتعزز هذه الوقائع سردية اليمين الإسرائيلي بأن الواقع الجديد غير قابل للعودة إلى الوراء، وأن على العالم التعامل مع إسرائيل كما هي، لا كما يجب أن تكون وفق القانون الدولي.

ويُعد وجود نتنياهو نفسه رافعة استراتيجية لهذا التحول؛ فالرجل يمتلك رؤية أيديولوجية متكاملة، ويملك القدرة على تشكيل السياسة الإسرائيلية بما يخدم سرديته، فضلًا عن قدرته على مواجهة الضغوط الدولية والحفاظ على تماسك قاعدته الشعبية والسياسية. كما أن التطرف الديني المتنامي داخل النخب السياسية، وظهور شخصيات لم يكن يُتوقع حصولها على أي مقعد في الكنيست، بات يؤسس لبيئة سياسية لا تسمح لأي قيادة إسرائيلية مستقبلية بالابتعاد عن مشروع الدولة اليهودية الخالصة، بل تجعل من استمرار التوجه نحوها شرطًا للبقاء في المشهد السياسي.

وإلى جانب ذلك، تظهر قدرة اليمين الإسرائيلي على التأثير في الرأي العام العالمي من خلال أدوات الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي، في إطار محاولة ممنهجة لإعادة تشكيل العقل الجمعي الدولي على نحو يقبل السردية الإسرائيلية الجديدة. وتُعد الحكومة الحالية الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، كما أن المؤشرات جميعها تدل على أن الاتجاه نحو مزيد من اليمين والتدين القومي سيستمر ويتصاعد، مما يجعل مشروع الدولة اليهودية الخالصة ليس فقط هدفًا أيديولوجيًا بل مشروعًا سياسيًا يجري تنفيذه على الأرض خطوة بعد أخرى.

* باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :