تنكة الزيت .. وضرورات النهضة الزيتونية
د.محمد عبدالجبار الزبن
08-12-2025 12:14 AM
لقد امتن الله على عباده بالإيجاد والإمداد، فأوجدنا في هذه الحياة الدنيا وأمدنا بالرزق، ومن عظيم الرزق أن جعل الأرض تنبت بالزرع وتخرج الكلأ وتتدفق بالماء، وغير ذلك من الخيرات التي تؤكد الصلة بين الإنسان والأرض، حتى إذا ترعرع في رحابها واتخذها وطنت، تعمقت جذور انتمائه إلى الأرض، تماما كالشجرة ينغرس حبّ الوطن في قلبه، ويسقي جذوره من عرق الجبين، ويقطف ثمار الأرض في عمارتها وتحقيق الاستخلاف فيها، كما أراده الخالق الرازق سبحانه.
ومما ترعرعنا عليه في أردننا الحبيب: "حبّ الوطن". الذي غرس فيه أجدادنا حبات الزيتون آملين، أن نأكل من زيتها ونشعل سراجا لمستقبلنا المزهر، ليتحقق الأمل بفضل الله تعالى، الذي أقسم في كتابه العزيز بالزيتون حيث قال سبحانه: { وَٱلتِّینِ وَٱلزَّیتُونِ }[سُورَةُ التِّينِ: ١].
ولنا قصة مع شجرة الزيتون يرويها الأجداد من صميم القلوب، فيلزمنا البقاء مع فصول هذه القصة لأنها تمثلنا، وهي جزء من تاريخنا.
ولأن شجرة الزيتون المقدسة في ديننا، والتي تغنى بها الشعراء في قصائد الوطن، ولأن غراسها يزيدنا جذورا، ذلك أن الأردن بلد مبارك وشجرة الزيتون إحدى أهم أشجاره، وأننا كلما غفلنا عن إعطائها الحق فلن تعطي المستحق، وأننا إذا لم نزرعها لن نجني ثمارها.
لذا.. كان ضرورة أن نلفت الانتباء إلى: النهضة الزراعية الزيتونية، فهي إلى الواجب أقرب منها إلى نافلة القول والعمل، لأن الغلاء من البلاء ودفع الضر ضرورة واجبة، ونحن في طعامنا وإدامنا لا نستغني عن الزيت، فبدلا من أن نكون مصدرين للزيت ونأكل منه طوال العام ونستغني به عن غيره من القوت، يأتي اليوم الذي ندفع ثمن تنكة الزيت بالمتوسط الحسابي ثلاثة بالمائة من الراتب السنوي.
ولبيان أهمية الضرورة، أعطي مثالين للذكر لا للحصر، أحدهما أوروبي والآخر عربي:
ففي شمال المملكة العربية السعودية وتحديدا في منطقة الجوف، وقبل قرابة ربع قرن من الزمان، بدأ مشروع: (زراعة مليون شجرة زيتون). ولأ أظن أن الأردن لم يكن ممن ورد شتلات الزيتون للمشروع الضخم المبارك.
وأما المثال الثاني: جهود الدنمارك في زراعة التوت، وهنا نجد الحرص الشديد على إقامة المشاريع الضخمة، التي تبدأ من: الزراعة إلى التصنيع.
ولقد ضربت مثالين، أحدهما لزراعة الزيتون ثانوية نجحت ونمت وترعرعت، وإلى توسيع نطاق زراعة أساسية نجحت وترعرعت، وفي كلا الحالين يمكننا القول:
إنّ الشجرة لم تعد عبارة عن جذور وأوراق نباتية، ولا ثمار نجنيها، بقدر ما هي رمز للحاضر الذي يحكي قصة التاريخ لإنسان عاش على أرض بناها الأجيال، فما بين طموحات معلقة على الأغصان، وما بين ذكريات نسقيها ونرويها.
ومع غصن الزيتون الذي يولّد زيتا يضيء لنا استثمارات جليلة، أقول:
ليس من الضروريّ على كاتب قلم أن ينبري بقلمه ليبيّن كيف نزرع شجر الزيتون المبارك في بلد مبارك، بقدر ما يعبّر عن وجدانه وأمنياته التي تعكس وجدان وأمنيات الكثير من الأردنيين، ونحن نرى المساحة الخضراء تمتد زيتونا على أرضنا بقدر المساحة الخضراء في عَلَمِنَا.
"الرأي"