الأردن يحتضن السوريين في ذكرى التحرير
لين حسين الخزاعي
09-12-2025 12:42 PM
في ذكرى التحرير والنصر، لم يكن المشهد داخل سفارة الجمهورية العربية السورية في عمّان مجرد احتفال رسمي، بل كان مساحة إنسانية واسعة احتضنت السوريين بكل مشاعرهم وحنينهم وذاكرتهم التي لم تبرد رغم سنوات الغياب. مئات السوريين تجمعوا في قلب العاصمة الأردنية، وكأنهم يعيدون وصل ما انقطع بينهم وبين وطن لا يغيب عن الوجدان مهما ابتعدت المسافات.
ما لفتني حقًا في هذا اليوم ليس حجم الحضور فحسب، بل حجم الاحتضان الذي يستقبله السوري أينما ذهب في الأردن. فالجو العام، والعلاقات اليومية، وأجواء الاحتفال، كلها تؤكد أن الأردن لم يتعامل مع السوريين كغرباء، بل كأبناء بلد شقيق جمعتهم الظروف وفرقتهم الحدود، ووحّدتهم قيم عربية أصيلة لا تزال ثابتة رغم كل التغيرات.
كان المشهد الأبرز في احتفال ذكرى التحرير هو ذلك التناغم الجميل بين العلم الأردني والعلم السوري؛ عَلمان يرفرفان جنبًا إلى جنب، لا كقطعتين من قماش، بل كرمزين لرحلة مشتركة من الأخوّة والصبر والتضامن… بدت جميعها وكأنها تمتد لتشكّل لوحة واحدة تعبّر عن التاريخ المشترك بين الشعبين.
ومن أبرز ما قيل لي في ذلك اليوم، حديث امرأة سورية عبّرت بصدق عن مشاعرها فقالت:
إن الاحتفال بذكرى وطنية خارج الوطن يحمل طعمًا ممزوجًا من الألم والجمال؛ الألم لأن الذاكرة تستحضر وجوهًا وشوارع وصورًا لا يمكن الوصول إليها الآن، والجمال لأن الجالية حين تجتمع تستعيد جزءًا من روحها، وتعيد ترتيب مشاعرها المبعثرة.
وشارك السوريون أيضا انتماءهم للأرض التي احتضنتهم خلال أزمتهم؛ للأردن الذي فتح أبوابه وقلوبه، ومنحهم شعورًا بالأمان والانتماء، وأتاح لهم الفرصة للاحتفال بذكريات وطنهم.
لقد كان الأردن أكثر من بلدٍ مضيف؛ كان سندًا عربيًا حقيقيًا، وكان جسرًا إنسانيًا عبرت عليه آلاف العائلات من خوف إلى أمان، ومن ضياع إلى استقرار. وفيه، تعلّم الأطفال السوريون في مدارسه جنبًا إلى جنب مع إخوتهم الأردنيين، وعمل الكبار، وبنوا علاقاتهم، وشكّلوا مجتمعًا جديدًا دون أن يفقدوا هويتهم أو محبة وطنهم.
وغدت العلاقة بين السوري والأردني اليوم أقرب إلى علاقة جارين تقاسما الخبز والمحنة؛ علاقة تشهد عليها البيوت والأسواق والمناسبات والصلات الإنسانية التي نمت بهدوء وصدق. حتى بدا أن ما يجمع الشعبين أكبر من كل ما حاولت السنوات تفريقه، وأن الروح العربية الحقيقية تظهر في هذه اللحظات حين يمدّ بلدٌ يده لآخر دون حسابات سياسية، بل بدافع الأخوة والإنسانية.
لم يكن يوم الاحتفال حدثًا عابرًا، بل كان تذكيرًا بأن العلاقات بين الأردن وسوريا أكبر من أزمة، وأعمق من ظرف سياسي، وأكثر إنسانية من كل ما يُقال في الأخبار. ففي ذكرى التحرير، احتضن الأردن السوريين مجددًا، وكأنه يقول لهم: لكم هنا مكان، ولأوجاعكم مساحة، ولأحلامكم طريق آمن حتى تعودوا إلى بيوتكم في يوم قريب.