الموازنة العامة بين الواقع المالي ومطالب النواب المتكررة
د. جاسر عبد الرزاق النسور
10-12-2025 11:05 AM
تشهد مناقشات مجلس النواب الأردني لمشروع قانون الموازنة العامة هذا العام مشهدًا لا يختلف كثيرًا عن السنوات السابقة؛ فالأسطوانة ذاتها تعود لتُعاد وتشغَّل بنفس الكلمات ونفس الخطابات التي اعتادها الشارع منذ أكثر من عقد. النواب يطرحون المطالب نفسها، ويكررون جُملاً مستهلكة توارثوها عن مجالس سابقة دون أن يضيفوا شيئًا جديدًا أو يقدموا رؤية مالية مختلفة عما قيل في كل عام. وهذا التكرار المستمر لا يمثل فقط عجزًا عن خلق خطاب سياسي واقتصادي جديد، بل بات مضيعة للوقت للحكومة والمواطنين، إذ يستهلك ساعات طويلة من النقاش دون أن يقود إلى نتائج عملية أو حلول واقعية.
وفي الوقت الذي تتداول فيه القبة ذات الطلبات المتعلقة بالتوظيف والمشاريع والخدمات، تبدو الأرقام الواقعية للموازنة بعيدة تمامًا عن تلك الطروحات. فالإيرادات الحكومية لا تزال محدودة، والنفقات الجارية تلتهم معظم مخصصات الدولة، بينما يواصل الدين الداخلي والخارجي الضغط على المالية العامة بصورة لا تسمح بأي توسع في الإنفاق. ومع ذلك يصرّ بعض النواب على إعادة المطالب نفسها، وكأن الظروف الاقتصادية لم تتغير، وكأن المديونية ليست عبئًا فعليًا، وكأن عجز الموازنة يمكن التعامل معه بالشعارات بدل السياسات.
إن هذا التكرار يطرح سؤالًا واضحًا: هل يدرك النواب حجم المسؤولية المالية أم أن النقاشات تحولت إلى طقوس موسمية لا تتجاوز حدود الميكروفون؟ فالعجز المالي المزمن والإرهاق الذي يصيب الخزينة لا يحتملان المجاملات، وأي زيادة في الإنفاق دون مصادر إيراد حقيقية تعني مزيدًا من الديون ومزيدًا من الأعباء على الأجيال القادمة. إن الدولة ليست في وضع يسمح بفتح التزامات جديدة، ولا بإضافة كُلَف على الموازنة لا تستند إلى قدرة مالية فعلية.
وفي وسط هذا الضغط السياسي، يبرز وزير المالية بدور مهم بوصفه الحارس الأول للمال العام. وقد دُرّس لسنوات أن وزير المالية الناجح يجب أن يتمتع بالصرامة والعناد والقدرة على قول “لا” عندما يقول الجميع “نعم”، وأن يكون غليظًا في الحق وصادًّا للضغوط. لكن هذه الصفات ليست قسوة، بل تعكس الأمانة والإخلاص والوفاء للوطن، لأن حماية المال العام اليوم هي حماية لاقتصاد الدولة ومستقبل أبنائها. إن الوزير الذي يرفض الإنفاق غير المبرر لا يعارض حاجات المواطنين، بل يحميهم من تبعات أخطر قد تظهر لاحقًا على شكل ضرائب أعلى أو خدمات أقل.
الموازنة العامة ليست ساحة للمزايدات، وليست ورقة أمنيات مفتوحة، بل وثيقة محاسبية دقيقة تقوم على حقائق رقمية واضحة: إيرادات محدودة ونفقات إلزامية وعجز ينبغي ضبطه. وعندما تتحول جلسات النواب إلى تكرار محفوظ ومطالب مكررة، فإن النقاش الحقيقي يغيب، ويضيع الوقت، وتضيع معه فرصة بناء خطاب جديد يتناسب مع تحديات المرحلة.
وفي النهاية، يبقى الواقع واضحًا مهما ارتفعت الأصوات داخل القبة: لا يمكن للأردن أن يزيد إنفاقه ما لم يزيد إنتاجه، ولا يمكنه الاستجابة لمطالب لا تقوم على قدرة مالية حقيقية، ولا يمكنه الاستمرار في الاستدانة لإشباع رغبات سياسية موسمية. والوفاء الحقيقي للوطن ليس في تكرار الشعارات، بل في الحفاظ على الاستقرار المالي، والوقوف أمام الحق بحزم، حتى تبقى الدولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها اليوم وغدًا.
رسالة الى السلطتين التنفيذية والتشريعية
من متابعتي لخطب النواب
لم أجد من قدّم طرحا يتضمن رؤية استراتيجية أو خطة عمل يمكن الأخذ بها. كما نسمع بعضهم يتحدث عن أمور يعرفها الجميع، ويتناسون ما يمكن أن يسهم في حلّها. فمثلًا، قطاع الدواء لدينا يعاني من مشكلات تحدّ من انطلاقته وتوسّعه، وكذلك قطاع الخدمات والقطاع التجاري والقطاع الخاص في الأمور العلاجية.
وعلى سبيل المثال، ما يتعلق بالسيارات والمناطق الحرّة وتغييرات القوانين والتعليمات التي لا تستقر؛ فكل ثلاثة أشهر تصدر تعليمات جديدة. كما أن موضوع الضمان والتقاعد أربك المشهد حتى بالنسبة لمن يرغب في الاستثمار؛ فخلال فترتين فقط تبيّن أن ما قُرّر سابقًا لا يخدم ما اكتشفه المسؤول اليوم.
باختصار، عنوان الوضع: تخبّط دون تشخيص حقيقي، والنتيجة أننا كل يوم في شأن جديد.
سيبقى الوطن راسخاً في نزاهته وشامخاً بقيادته وشعبه
حمى الله الأردن وقيادته الهاشمية.