facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أهمية التفاؤل والتشاؤم في الاقتصاد


د. يوسف منصور
11-12-2025 12:08 AM

للتفاؤل أو التشاؤم الاقتصادي (توقعات الأفراد والمؤسسات حول المستقبل) أثر كبير على الأداء الاقتصادي الفعلي، خاصة في اقتصاد يواجه تحولات مستمرة كالأردن، فالناس لا تتصرف فقط بناءً على الدخل أو أسعار السلع والخدمات، بل أيضاً بناءً على ما يتوقعونه للمستقبل من دخل، واستقرار، وفرص عمل، واستثمار، وسياسة.

أكد جون مينارد كينز (مؤسس علم الاقتصاد الحديث) منذ ما يقارب مئة عام أن الدوافع النفسية تجعل الناس ينفقون، أو يستثمرون، أو يدّخرون، أو يتجنبون المخاطرة وهي ضرورية لفهم دورات الأعمال والتقلبات الاقتصادية، فالأسعار قد تتحرّك بسبب المزاج لا بسبب العرض والطلب الحقيقي حيث تؤثر التوقعات (تفاؤل أو تشاؤم) على الطلب الكلي (استهلاك + ادخار+ اقتراض) والاستثمار الخاص (قرارات شركات ومشاريع).

إذا شعر الناس بأن المستقبل واعد ينفقون، ويستثمرون، ويقترضون. وإذا شعروا بأن الوضع سيكون سيئا في المستقبل، يحجمون عن الإنفاق مما يقلص النمو، والتشغيل، والسيولة، والدين. لذلك إن المؤشرات النفسية مثل مؤشر ثقة المستهلك ومؤشر ثقة رجال الأعمال تعتبر أدوات قياس هامة لصانعي القرار الاقتصادي، ويمكن أن تُستخدم هذه المؤشرات للتنبؤ بالتقلبات الاقتصادية قبل أن تظهر في الأرقام الرسمية، أو لتفسيرها، أو لقياس أثر هذه الإجراءات بواقعية قبل إطلاقها.

من الأهمية بمكان الحفاظ على ثقة المستهلك والمُنتج، وخاصة خلال فترات الركود. فعندما يمر الاقتصاد بفترة ركود اقتصادي، تصبح استعادة الثقة أكثر أهمية مما هو عليه في الأوقات العادية: أي أنه إذا انخفضت ثقة الناس بالتزامن مع هبوط معدل النمو الاقتصادي، سيؤدي ذلك إلى حلقة تغذية مرتدة ويزيد من تثبيط النشاط الاقتصادي. فالأحداث الهامة، وخاصة السالبة منها، التي يتعرض لها البلد، يسهل استدعاؤها من الذاكرة، وتؤثر في الأحكام والقرارات حتى لو كانت احتمالات حدوثها ثانية ضعيفة جداً. فانهيار السوق في الأردن في 1989 وانهيارات أسواق المال عالميا التي حصلت عام 2008 تعزز التوقعات السالبة بأن انهيارات مشابهة ستحدث لا محالة بالرغم من اختلاف العوامل الاقتصادية والأساسيات في الوقت الحالي، وتجد الناس يستذكرونها وخاصة من قبل غير المختصين.

ومن ناحية أخرى تبين الدراسات، ومن ضمنها دراسة لعدد من دول آسيا، أن "ثقة المستهلك" و "ثقة أصحاب الأعمال" كانت من العوامل الإيجابية المؤثرة على النمو في الناتج المحلي الإجمالي ونمو الصادرات، بينما كانت مساهمة الإنفاق الحكومي في النمو قليلة بالمقارنة. كما أن بحوثا جديدة تشير إلى أن تفاؤل "المنتجين" له تأثير أقوى من أثر تفاؤل المستهلكين على مستوى الإنتاجية الكلية للدولة. أي أن ثقة رجال الأعمال والاستثمار الخاص هي المحرك الأهم للابتكار والنمو، وخوف أصحاب الأعمال يعطّل السوق كله.

كما أن التفاؤل المفرط، غير المبني على حقائق وتوجهات صحيحة، قد يؤدي الى العكس تماما، فصناعة التفاؤل كأي منتج حقيقي أو فكري يجب أن يصاغ بعناية. وإذا أطلقت الحكومة مشروعاً طموحاً (بنية تحتية، مدينة جديدة،…) وصادفه تشاؤم عام وانعدام الثقة، ربما لإحساسهم بالخيبة نتيجة وعود ومبادرات سابقة لم تر الضوء، فإن الناس قد لا يستجيبون فلا يحدث استثمار خاص، ولا شراء عقارات، ولا استهلاك، مما يعرقل المشروع.

أيضا، في باب السياسات التحفيزية (استثمار، رفع إنفاق رأسمالي، دعم، مشاريع كبرى) يعتمد نجاح الإصلاحات الهيكلية أو الضريبية والمالية غالباً على مدى قبول المجتمع وتوقعاته وثقته في أن التحسن إن حصل سيكون مستمرا. وإذا كان التشاؤم كبير سيقاوم الناس الضرائب أو سيؤجلون إنفاقهم، أو يلجؤون للتهرب أو الادخار. كما أن تنفيذ مشاريع تنموية على المدى الطويل يحتاج إلى ثقة بأن الاقتصاد سيبقى مستقرا، وأن السوق سيستجيب، وأن العمالة والطلب مستمران.

كما يجب عمل ومراقبة مؤشرات الثقة والتوقعات عبر الاستبيانات بالاضافة للمؤشرات التقليدية لتقييم فعالية السياسات الاقتصادية قبل وبعد تنفيذها، وكمؤشرات إنذار مبكر، وتوقع النمو دون انتظار بيانات رسمية، ولتوجيه الاستثمارات والمشاريع الحكومية حسب المزاج الاقتصادي الحقيقي، ولتعزيز الشفافية عبر نشر هذه المؤشرات شهرياً/فصلياً. ومن أهم المؤشرات: مؤشر ثقة المستهلك الأردني، مؤشر ثقة الأعمال، مؤشر توقعات سوق العمل، مؤشر الثقة في السياسة الاقتصادية الحكومية، مؤشر المزاج الاستثماري، مؤشر نوايا الإنفاق العائلي، مؤشر المخاطر الاقتصادية المدركة، مؤشر ثقة القطاع المالي والمصرفي مؤشر الثقة العقارية، مؤشر ثقة الشباب الاقتصادي.

فإذا كانت الثقة ضعيفة سيصعب تعبئة الموارد أو جذب استثمارات خاصة محلية أو أجنبية. وفي إدارة الأزمات (ركود، كلفة معيشية، أزمات خارجية) فإنه يمكن للتفاؤل المعتدل أن يرسّخ استقرار الطلب، لكن التشاؤم الشديد يسرّع الانكماش، خصوصاً إن كانت السياسات الحكومية غير كافية لامتصاص الصدمة.

على صانع القرار أن يؤمن بأن التوقعات والمعنويات والاحساس بالثقة جزء من “رأس المال غير الملموس” للاقتصاد، وتجاهلها لا تحمد عواقبه، فالنفوس تؤثّر قبل الظروف، والمزاج يصنع السوق قبل الأرقام. من الضروري تعزيز الثقة في مشاريع الحكومة عبر منهاج يعتمد الشفافية، والاستقرار القانوني، ورؤية واضحة، ومشاركة مجتمعية، وضمانات مع مراعاة “حالة المزاج الاقتصادي العام”، ومحاولة بناء الثقة أولاً، فالناس إن خافت باعت، والعين تبصر والقلب يقرر، والقلوب معلّقة بظن ونقد تغني عن اليقين. لذا لا بد من دمج البُعد النفسي في التحليل.

"الرأي"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :