كانون المحترم بثباته في موروثنا الأردني
خلدون ذيب النعيمي
11-12-2025 08:18 PM
يمثل شهر كانون الأول الحالي اضافة لمسماه الثاني الذي يليه القسم الأكبر من فصل الشتاء، ويسمى في الموروث الشعبي الأردني بفحل الشتاء كناية عن وجود البرد الشديد والريح العاصفة والمطر الغزير فيه، ويقال ان تسميته بكانون ترجع للجذر السامي "الكًن" أي الاستقرار بعد شهور الحصاد في تموز وآب وحراثة الأرض في تشرين ومن هنا كان تسمية موقد النار بالكانون الذي يكون عادة له موقعه الثابت في البيت ، والتسمية السامية للأشهر التي من ضمنها كانون تعود في جذورها الكلدانية والنبطية والسريانية وتستعمل في الدوائر الرسمية والموروث الشعبي في دول المشرق العربي المتمثلة بالعراق والاردن وسورية وفلسطين ولبنان ، أضافة لتسرب بعضها للغات التركية والفارسية والكردية المعاصرة بفضل التمازج الحضاري والتاريخي .
ورغم الجو العاصف الذي تنتظم فيه عادة ايام كانون ولياليه فقد كانت له الحفاوة بثباته المناخي رغم ان الاشهر الاخرى قد تشهد ايام شمسة وقمرة ، فالمقولة الشعبية التي تنصح بالمشي مع غيم كانون مقارنة بشمس شباط تؤكد هذه الحفاوة فالمرء عادة في كانون يتوقع الجو العاصف فيكون مهيأ نفسه سواء باللبس المناسب او في السفر ومصاعب الطريق رغم هنا ان النصيحة الشعبية تؤكد على اهمية "بكانون كن ببيتك وكثر ملحاتك وزيتك" واجتناب السفر فيه لقسوة طقسه ، وليس بعيد عن ذلك ايضاً استغراب حصول حفلات الأعراس فيه لبرودة طقسه "فعرس المجانين بكوانين" لكون عادة الأعراس بعد مواسم الحصاد في الصيف وتوفر المال بعد بيع المحصول .
واحترام الثبات في الموقف لا تقتصر بالضرورة على الاوقات والاشهر بل تتعداها للمواقف الشخصية والاجتماعية ، فالأنسان المتقلب برأيه ومزاجه "مثل حبة العدس لا يعرف بطنها من ظهرها" ومن هنا يصعب على من يتعامل معه توقع أرائه وردود افعاله بالنظر لعدم ثباته كما دلت التجارب السابقة والآراء حوله ، وهنا يفسر عدم الثبات الشخصي بالخداع او الغباء وكلاهما شر بلا شك مع ملاحظة ان ضرر المخادع قد يقتصر على الطرف الاخر بينما الغبي بضرر تقلبه يشمل الجميع بمن فيهم هو نفسه ، ومن هنا كانت المقولة الشعبية "يكفيك شر ضربة المقفي أي الجبان الهارب والغبي" لأنها ببساطة لا تكون "مدوزنة" وبالتالي يصعب توقع حدوثها وأثرها ، والمراوغة وعدم الثبات على مستوى العلاقات الشخصية يتعداه أيضاً الى مستوى العلاقات الدولية ، والسياسة الإسرائيلية بمراوغتها خير مثال لذلك من خلال التهرب المستمر من استحقاقات الاتفاقات الدولية وتأويلها بما يلبي خططها التوسعية .
أحيانا كثيرة قد نحترم من نختلف معه بالرأي بسبب ثباته في مقصد العمل المشترك بسبب اختلاف الاسلوب ، وليس بعيداً عن ذلك الاحترام ايضاً ساحات المعارك في التعامل مع الطرف الأخر ولنا في تاريخنا الاردني المثال الكبير فالشهادات الإسرائيلية على شجاعة الجندية الأردنية بمختلف معاركها خير مثال على ذلك ، فالثبات قوة واحترام للذات ويكسب تقدير الأخرين والوصية الشعبية "بالمشي مع مطرة كانون وعدم السفر مع شمسة شباط الخباط الذي ساعة شمس وساعة امطار" الا تجسيداً لذلك .