تشجيع المنتخب الأردني بوصفه ظاهرة اجتماعية
د. عبلة الوشاح
13-12-2025 03:49 PM
* قراءة سوسيولوجية في الانتماء والهوية الوطنية
يُعد تشجيع المنتخب الأردني ظاهرة اجتماعية تتجاوز كونها ممارسة رياضية أو تفاعلاً ترفيهيًا مؤقتًا، لتغدو تعبيرًا رمزيًا عن الهوية الوطنية ووسيلة من وسائل إعادة إنتاج الانتماء الجمعي داخل المجتمع الأردني. ففي اللحظات التي يخوض فيها المنتخب مبارياته، تتشكل حالة من الإجماع الاجتماعي العابر للفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية والاختلافات الثقافية، بما يعكس قدرة الرياضة على أداء وظيفة تكاملية داخل البناء الاجتماعي.
من منظور علم الاجتماع، يمكن فهم هذا الإجماع في إطار مفهوم التضامن الاجتماعي؛ حيث تتحول المباراة إلى حدث رمزي يوحّد الأفراد حول معنى مشترك هو “الوطن”. ويتجلى ذلك في استخدام الرموز الوطنية كالعلَم والنشيد والشعارات، وهي رموز لا تحمل دلالة رياضية فحسب، بل تؤدي وظيفة تعزيز الوعي الجمعي وترسيخ الشعور بالانتماء إلى جماعة وطنية واحدة.
ولا يقتصر هذا التفاعل على المجال الجغرافي للدولة، بل يمتد إلى الأردنيين في الخارج، الذين يعيد لهم المنتخب ارتباطهم الرمزي بالمجتمع الأم. وهنا يؤدي التشجيع دورًا مزدوجًا: فهو من جهة آلية تواصل رمزي بين الفرد المغترب ووطنه، ومن جهة أخرى وسيلة لإعادة تأكيد الهوية الوطنية في سياق العيش خارج الحدود.
أما التساؤل حول ما إذا كان هذا التشجيع تعبيرًا عن الولاء والانتماء أم مجرد حب للرياضة، فيمكن الإجابة عنه سوسيولوجيًا بالقول إن الظاهرة تجمع بين البعدين معًا، إلا أن البعد الوطني يظل هو الأبرز. فحب الرياضة يفسر الحماسة والمشاركة، لكن استمرارية الدعم للمنتخب، حتى في حالات الخسارة، تشير إلى أن الدافع يتجاوز المنفعة الرمزية المرتبطة بالفوز، ليتصل بشعور أعمق بالانتماء والالتزام الجمعي.
وفيما يتعلق بفكرة “ركوب الموجة” أو التنافس بين الدول، فإنها لا تفسر وحدها حجم الإجماع المجتمعي في الحالة الأردنية. فالتنافس الرياضي موجود في جميع المجتمعات، إلا أن تحوله إلى حالة وطنية جامعة يرتبط بخصوصية السياق الاجتماعي الأردني، حيث تلعب الرياضة دورًا في تعويض غياب مساحات الإجماع الأخرى، وتعمل كأداة لتخفيف التوترات الاجتماعية وتعزيز الشعور بالوحدة الوطنية.
ختامًا، يمكن القول إن تشجيع المنتخب الأردني يمثل ظاهرة سوسيولوجية مركبة، تتداخل فيها الأبعاد الرياضية والوطنية والرمزية، ليغدو المنتخب مساحة لإعادة إنتاج الهوية الوطنية وتعزيز الولاء والانتماء. وبذلك لا يكون التشجيع مجرد فعل عاطفي آني، بل ممارسة اجتماعية تعكس طبيعة العلاقة بين الفرد والوطن في المجتمع الأردني المعاصر.
* دكتوراة علم اجتماع