facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




السيدة بفستانها الجميل حتى الينابيع


جمال القيسي
16-12-2025 02:17 PM

لم يكن الفستان الذي ارتدته الأمينة العام للاتحاد الأردني لكرة القدم السيدة سمر نصار في قرعة كأس العالم مجرد قطعة أزياء، بل بيانا وطنيا أردنيا بصريا دقيقا يدمج بين الحضور المهني الواثق والنقش العريق للثوب الفلسطيني الجميل، أحد أبرز رموز الهوية الثقافية في المشرق الذي سيظل يدافع عنه الأردن حتى تحرير فلسطين. ذلك النقش الذي صمد ثمانين عاما في وجه محاولات الطمس الثقافي والإقصاء الممنهج، جاء رسالة ناعمة وواضحة تقول إن الانتماء لا يحتاج إلى ضجيج، والرمز الصادق لا يعتذر عن نفسه.

اختيار سمر نصار لفستان أنيق قصير لم يخرق الأعراف والتقاليد، ولم يتجاوز حتى حدود ما شهدناه مثلا في دولة قطر خلال المونديال؛ حيث تعاملت الدولة المحافظة مع العالم بثقة، وقدمت نموذجا متوازنا وازن بين مبدأ الحفاظ على هويتها والقدرة على استيعاب التنوع. لكن في فضائنا المحلي، تحول الرسالة الذكية العميقة من الاتحاد الأردني لكرة القدم إلى ساحة صراع رمزي أعاد للذاكرة "قصة البنطال الممزق" والحملة الشعواء المحزنة ضد "ركبة روبي".

ما يثير الأسف وَالتنهد أن النقد الذي وُجّه للسيدة نصار لم يكن عن فستانها بقدر ما كان عن الرمز نفسه؛ وكأن الذاكرة المشتركة باتت عبئا على فئة تخشى أية إشارة ثقافية تتجاوز سردية محددة.

ثم دخلت قناة محلية على الخط، وقررت تعديل الصورة بالفوتوشوب فارتكبت جريمة "إطالة الفستان" إلى ما تحت الركبة. في عملية تحرير ليست فنية ولا موفقة مطلقا، حيث تدخلت في منسوب الوعي المجتمعي، وبما يعكس محاولة لإعادة إنتاج واقع أكثر انسجاما مع مزاج محافظ متشدد، على حساب الحقيقة. هنا يظهر الفرق بين التنوير الذي يحرر الإنسان من الوصاية، وبين تزييف الوعي الذي يعيد إنتاج الخوف من الرموز ويقمع الحضور الطبيعي والمهني للمرأة.

الأمر أكبر من فستان. فهو يذكرنا بأن الإعلام في العالم كان دائما أداة محورية للتغيير في الدول والمجتمعات حين يكون ذكيا ولماحا ويدرك تماما معالم الخريطة النفسية لمجتمعه. إعلامنا بات يتكرس يوما بعد يوم إلى إعلام احتفالي ودعوي لا يصور الحقيقة مطلقا، ولا يثق به المواطن؛ لأنه يعيد تغليف الأخبار بورق الهدايا بدل كشفها. الإعلام التنويري لا يطيل فستانا، بل يطيل عمر الثقة ومدى الشفافية ولا يبخس المواطن حقه في تلقي الصورة الكاملة للواقع.

وفي مواجهة هذا الانزلاق نحو الرقابة الإعلامية الاجتماعية المقنّعة، يصبح من الضروري التذكير أن حرية الاختيار الشخصي حق دستوري أصيل لا يجوز مصادرته أو التلاعب به، لا عبر النقد الانعزالي الإقليمي الضيق المتهافت، ولا من خلال الفوتوشوب.

من موقعي المهني كمحام، أعلن وأسرة مكتبي تطوعنا للدفاع عن السيدة سمر نصار، وحقها في ارتداء ما تشاء، وفي عدم تعرض صورتها للتزوير أو التعديل دون موافقتها المسبقة، فهذه ليست قضية فستان، بل قضية مبدأ احترام حرية الفرد وصون حقه في التعبير عن ذاته دون تدخل قسري من أية جهة.

الحرية لا تتجزأ ولا تُجزّأ، ومن يدافع عنها في التفاصيل الصغيرة يدافع عنها في القضايا الكبرى. والفستان نفسه سيمر، لكن المبدأ الذي يمثله سيبقى مرآة لنا جميعا: هل نريد أن نكون جزءا من مجتمع منفتح وواثق، أم أسرى لحساسية افتراضية وهرطقات يمينية بائسة تعيق التقدم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :