فرصة جيو-اقتصادية لا تحتمل التأجيل!
د. روان سليمان الحياري
16-12-2025 11:30 PM
لا يمكن قراءة زيارة رئيس الوزراء الهندي مودي إلى الأردن كحدث دبلوماسي تقليدي، أو كزيارة اقتصادية ثنائية، بل هي زيارة جيو-اقتصادية بامتياز، جاءت في لحظة دولية يعاد فيها تشكيل النظام التجاري العالمي، وتتراوح فيها العولمة المفتوحة لصالح سلاسل توريد انتقائية، وتحالفات اقتصادية قائمة على الثقة السياسية والاستقرار.
الهند، كقوة صناعية وتكنولوجية صاعدة، تواجه اليوم بيئة تجارية أكثر تعقيداً، خصوصاً في تعاملها مع الاسواق العظمى، حيث تتصاعد الحمائية وتتقلب السياسات الجمركية. في هذا السياق، تبحث نيودلهي عن منصات وسيطة مستقرة تتيح لها الحفاظ على تنافسية صادراتها، وتقليل المخاطر السياسية والمالية، دون الدخول في مواجهات مباشرة مع مراكز القرار الاقتصادي العالمي. وهنا تبرز أهمية الأردن بوصفه شريكاً وظيفياً لا بديلاً جغرافياً.
الأردن يمتلك رصيداً نادراً في الإقليم: استقرار سياسي، علاقات استراتيجية عميقة مع الولايات المتحدة، واتفاقيات تجارية تتيح نفاذاً تفضيلياً إلى الأسواق الكبرى. لكن الأهم أن لا ينحصر دور الأردن كدولة عبور، بل كمرشح لأن يتحول إلى منصة قيمة مضافة عبر التصنيع الجزئي، والتجميع، وإعادة التصدير، ضمن قواعد منشأ واضحة Smart Logistic Hub Zone، بما يخفف العبء الجمركي على المنتج الهندي ويمنح الاقتصاد الأردني موقعاً داخل سلاسل القيمة العالمية.
البعد الأكثر عمقاً في الزيارة يتمثل في تكنولوجيا المعلومات. فالهند قوة عالمية في البرمجيات والخدمات الرقمية والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، بينما يمتلك الأردن رأس مال بشري شاباً ومؤهلاً، وبيئة مرنة قادرة على استيعاب الاستثمار المعرفي. الشراكة هنا ليست في استيراد التكنولوجيا، بل في توطينها: مراكز تطوير مشتركة، شركات هندية تعمل من الأردن، منصات رقمية تُدار محلياً وتُصدَّر عالمياً، ما ينقل الاقتصاد الأردني من الاستهلاك الرقمي إلى الإنتاج الرقمي.
أما على المستوى الصناعي، فإن الاستثمارات الهندية المحتملة في الصناعات الدوائية والهندسية والطاقة والخدمات اللوجستية لا تمثل قيمة بحد ذاتها، ما لم تُربط برؤية تصديرية واضحة، تجعل من الأردن منطقة مركزية صناعياً-لوجستياً ذكياً Smart Hub Zoneموجهاً للأسواق الأميركية والأوروبية، لا مجرد سوق محلي محدود.
اما على المستوى الثقافي وصناعه الأفلام فهي لاشك ضرب استثماري خصب وواعد المهم في هذه الزيارة انها تعد تحولاً مهما في وظيفة السياسة الخارجية الأردنية، من إدارة الاستقرار إلى توظيفه اقتصادياً. وأن الأردن لم يعد يكتفي بدور “الدولة الآمنة”، بل يسعى لأن يكون لاعباً ذكياً في الجغرافيا الاقتصادية الجديدة وسلاسل التوريد الامنة.
زيارة مودي إلى عمّان تمثل لحظة اختبار حقيقية، إما أن تُترجم إلى سياسات تنفيذية واستثمارات نوعية تعيد تشكيل الاقتصاد الأردني، أو تبقى فرصة مؤجلة في زمن لا يرحم التأجيل.