facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لغة الضاد في يومها العالمي: بيانٌ ينسج التاريخ وحضارةٌ تسكن الحرف


شرين الصّغير
17-12-2025 11:12 PM

لم تكن اللغة العربية يومًا مجرد أصوات تُنطق أو رموز تُخط، بل هي كيانٌ حيٌّ يختزل في تموجاته عبقرية الأمة ووجدانها الأصيل، وفي يومها العالمي، الذي يوافق الثامن عشر من كانون الأول، نقف إجلالًا أمام هذه المعجزة اللغوية التي لم تكتفِ بالبقاء صامدة عبر القرون، بل تمددت لتكون وعاءً للفكر الإنساني قاطبة، فهي اللغة التي روّضت المعاني واستوعبت العلوم، حتى قال فيها "شاعر النيل" حافظ إبراهيم معبرًا عن سعتها وعظمتها:

رَموني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني ... عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عِداتي
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايةً ... وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ ... وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ

وانطلاقاً من هذه السعة الإعجازية، تأتي ميزة العربية في قدرتها الفائقة على الاشتقاق والتوليد، مما جعلها لغةً مطواعة تلبس ثوب العصر في كل زمان، فمن قلب البادية وانطلاقًا من بلاغة المعلقات، ارتقت العربية لتصبح لغة الفلسفة والطب والفلك، فكانت الجسر الحضاري الذي عبرت فوقه كنوز المعرفة نحو النهضة الإنسانية الشاملة، إنها اللغة التي تمنح المتحدث بها قدرة فريدة على التعبير عن أدق اختلاجات النفس وأعقد نظريات العقل بكلمات موجزة تحمل في طياتها دلالات لا نهائية، وهذا ما جعلها بحق "سيدة اللغات".

ولم تقف حدود جمالها عند المعنى فحسب، بل امتدت لتشمل "موسيقى الحرف" وهندسة الخط الذي تحول إلى فنٍّ بصريٍّ يدهش الأبصار ويسحر الألباب، إن الارتباط الوثيق بين العربية والقرآن الكريم منحها هالةً من القدسية والخلود، فصانها من عوادي الزمن التي أكلت لغاتٍ كانت سائدة ثم بادت واختفت، وهنا نجد صدى قول أمير الشعراء أحمد شوقي يتردد في الآفاق مؤكداً هذا التميز الرباني:

إِنَّ الَّذي مَلأَ اللُغاتِ مَحاسِناً ... جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضادِ

بيد أن هذا الإرث العظيم يضعنا اليوم أمام مسؤولية تاريخية كبرى؛ فالعربية في يومها العالمي تنادي أبناءها لإنصافها في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي، إن الحفاظ على سلامة اللسان العربي ليس ترفًا فكريًا، بل هو صونٌ للهوية وحمايةٌ للذات من الذوبان الثقافي.

فالتحدي الحقيقي اليوم يكمن في جعل العربية لغةً للمستقبل، تنتج المعرفة الرقمية ولا تكتفي باستهلاكها، وتطوع التقنية الحديثة لتخدم حرفها الشريف، لتبقى دائماً كما أراد لها التاريخ: منارةً للبيان وشريانًا نابضًا بالحياة في جسد البشرية.

ختاماً، يبقى الاحتفاء بالعربية احتفاءً بالعقل والروح معًا، فهي الرباط الثقافي الذي يجمع بين المشرق والمغرب، وهي الأمانة التي نحملها بكل فخر لنورثها للأجيال القادمة، شاهدةً على أننا أمةٌ تملك أغلى جواهر الكلام وأسمى مراتب البيان.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :