ذكرى اليوم الوطني لدولة قطر
السفير الدكتور موفق العجلوني
18-12-2025 11:47 AM
تحلّ ذكرى اليوم الوطني لدولة قطر الشقيقة ذكرى تولي المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني – طيّب الله ثراه – مقاليد الحكم، بوصفها محطة وطنية متجددة لا تُستعاد فيها الوقائع التاريخية فحسب، بل تُستحضر معها القيم الكبرى التي قامت عليها الدولة القطرية: السيادة، الحكمة، وحدة الصف، والانتماء العميق للأرض والإنسان.
لقد أدرك الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، منذ اللحظة الأولى للتأسيس، أن بناء الدولة لا يكتمل بالقوة وحدها، بل بالرؤية، ولا يستدام إلا بالعدل، ولا يترسخ إلا بتلاحم القيادة مع شعبها. ومن هذا الفهم العميق نشأت دولة قطر الحديثة، دولة استطاعت أن تحافظ على هويتها العربية الأصيلة، وأن تنفتح في الوقت ذاته على العالم بثقة واقتدار.
وفي هذه المناسبة الوطنية العزيزة، يبرز البعد العربي في السياسة القطرية بوصفه امتدادًا طبيعيًا لفكر المؤسس، وهو ما يتجلى بوضوح في العلاقات الأخوية المتينة التي تربط دولة قطر الشقيقةً بالمملكة الأردنية الهاشمية، علاقات تجاوزت حدود الدبلوماسية التقليدية لتصبح نموذجًا للتكامل الإنساني والسياسي بين قيادتين. و تستند هذه العلاقات إلى تاريخ طويل من الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك، وتعكس رؤية قيادتين تؤمنان بأن استقرار المنطقة يبدأ من التضامن العربي الحقيقي. وقد شهدت هذه العلاقات، عبر العقود، تطورًا نوعيًا شمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية.
وعلى مستوى الشعبين، تبرز العلاقة بروحها الدافئة، حيث يمتزج التقدير المتبادل مع وشائج القربى الاجتماعية، ويتجلى ذلك في الحضور الأردني الفاعل في قطر، وفي ما يحظى به الأردنيون من احترام وتقدير، مقابل المحبة الصادقة التي يكنّها الشعب الأردني لدولة قطر وقيادتها.
أما على مستوى القيادة، فقد شكّل التناغم السياسي والرؤية المشتركة تجاه القضايا العربية ركيزة أساسية في تعزيز هذه العلاقة، بما يخدم مصالح البلدين ويعزز أمن واستقرار المنطقة.
من جهة اخرى فقد تجلّى الحضور العالمي لدولة قطر بأبهى صوره من خلال استضافتها لبطولة كأس العالم لكرة القدم، الحدث الرياضي الأهم عالميًا، والذي شكّل علامة فارقة في تاريخ الرياضة الدولية والمنطقة العربية على حد سواء. لم يكن احتضان هذا الحدث مجرد تنظيم بطولة رياضية، بل كان مشروعًا وطنيًا متكاملًا عكس قدرة الدولة على التخطيط الاستراتيجي، والتنفيذ الدقيق، والعمل المؤسسي المتناغم.
فقد سخّرت دولة قطر كافة إمكاناتها لإنجاح هذه التظاهرة العالمية، بدءًا من البنية التحتية المتطورة، والمنشآت الرياضية الحديثة، وشبكات النقل الذكية، وصولًا إلى أدق التفاصيل التنظيمية والأمنية والصحية. كما أظهرت كفاءة عالية في إدارة الحشود واستقبال مئات الآلاف من المشجعين من مختلف دول العالم، في أجواء اتسمت بالأمان، وحسن الضيافة، والانفتاح الثقافي، ما ترك انطباعًا عالميًا مشرفًا ورسّخ صورة قطر دولةً قادرة على الجمع بين الأصالة العربية والمعايير
الدولية الرفيعة.
وقد تجاوزت آثار هذا الحدث حدود الملاعب، ليصبح منصة إنسانية وثقافية عرّفت العالم بالهوية القطرية والعربية، وأسهمت في تعزيز مكانة دولة قطر كلاعب مؤثر على الساحة الدولية، يؤمن بأن الرياضة جسر للتواصل بين الشعوب ورسالة سلام تتجاوز الحدود
وفي سياق هذا البناء المتين، يبرز الدور المحوري الذي يقوم به سعادة السفير الشيخ سعود بن ناصر بن جاسم آل ثاني، سفير دولة قطر لدى المملكة الأردنية الهاشمية، بوصفه نموذجًا للدبلوماسي الذي يجمع بين عمق الانتماء الوطني، وحكمة الأداء، وقربه الإنساني من مختلف مكونات المجتمع الأردني.
لقد أسهم سعادته بشكل ملموس في تعزيز جسور التواصل بين البلدين، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل أيضًا على المستوى الشعبي والثقافي، من خلال حضوره الفاعل، ومبادراته التي تعكس روح الأخوّة، وحرصه الدائم على ترجمة توجيهات القيادة القطرية إلى واقع ملموس يعزز التعاون ويعمّق الثقة.
ويمثل هذا الدور امتدادًا طبيعيًا للسياسة القطرية التي ترى في الدبلوماسية أداة بناء لا مجرد تمثيل، وفي العلاقات العربية ركيزة مستقبل لا خيارًا مؤقتًا.
إن ذكرى تولي الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني الحكم ليست مجرد مناسبة تاريخية، بل هي لحظة تأمل في مسيرة دولة اختارت منذ تأسيسها أن تكون وفية لقيمها، صادقة في علاقاتها، ومؤمنة بوحدة المصير العربي.
وفي ظل هذه الذكرى المجيدة، تظل العلاقات القطرية الأردنية مثالًا حيًا على ما يمكن أن تصنعه القيادة الحكيمة حين تلتقي مع إرادة الشعوب، وحين تتحول الأخوّة من شعار إلى ممارسة، ومن تاريخ إلى مستقبل مشترك.
* مركز فرح الدولي للدراسات و الابحاث الاستراتيجيةً
muwaffaq@ajlouni.me