قراءة في كتاب العالم الإسلامي المعاصر بين الشورى والديمقراطية
18-12-2025 11:59 AM
* تأليف: الدكتور عبد الحميد الانصاري
عمون - قراءة يوسف عبد الله محمود - الدكتور عبد الحميد الانصاري العميد السابق لكلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية – جامعة قطر. عالم دين مستنير يحدثنا في كتابه عن التحديات التي تواجه دول العالم الإسلامي وهي كما يرى "تحديات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية" وهنا نراه يركز على "ضرورة تطوير الأوضاع السياسية للعالم الإسلامي" داعياً الى "ادخال إصلاحات سياسية توسع قاعدة المشاركة السياسية العامة لافراد المجتمع".
محور الكتاب "اخضاع خطط التنمية للمشاورة الواسعة".
يطرح د. الانصاري تساؤلات مشروعة جوهرها "ما أوجه الاتفاق والاختلاف بين الشورى والديمقراطية باعتبار الأخيرة قفزة حضارية لا بد منها.
يتناول المؤلف في كتابه أربعة محاور هي:
الأول: الشورى وتطبيقاتها المعاصرة مع نظرة تحليلية تقويمية.
الثاني: الديمقراطية وتطبيقاتها المعاصرة مع نظرة تحليلية تقويمية.
الثالث: أوجه الاتفاق والاختلاف بين الشورى والديمقراطية، وكيفية الاستفادة منهما.
الرابع: النتائج.
في مناقشته لتعريف الشورى يرى انه لا يوجد تعريف محدد للشورى لا عند العلماء القدامى ولا عند الباحثين المعاصرين، فهل تقتصر على "اهل الخبرة" ام تتناول "المشاركة العامة" والاهم من ذلك "هل الشورى واجبة او مندوبة"، بمعنى هل على ولي الامر ان يشاور اهل الشورى؟ وهل هي ملزمة او مُعلَمة؟ بمعنى هل يلتزم ولي الامر بالرأي الذي ينتهي اليه اهل الشورى او أكثريتهم؟ وهنا نراه يحدثنا عن الرسول محمد صلعم حين كان يلتزم بالمشاورة دائمًا حتى وصفه أبو هريرة –رضي الله عنه- "ما رأيت احدًا اكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلعم" ولم يثبت ان النبي شاور وأعرض عن رأي الأغلبية، ولعل ابرز الأمثلة ما حصل في أُحُد إذ خالف اغلبية الصحابة الرسول ترك رأيه واخذ برأيهم احترامًا وتقديرًا لرأي الأغلبية.
وهنا أتساءل هل زعماؤنا العرب والمسلمون المعاصرون يقتدون بهذا النهج المحمدي ام انهم يستمعون الى الآراء ثم يتجاهلونها؟ اغلب الظن انهم يتجاهلونها، فهم الاسياد!
د. عبد الحميد الانصاري يضع امامنا قوله تعالي "وشاورهم في الامر" (159 آل عمران)، وقوله تعالي: "وامرهم شورى بينهم" (الشورى آية 38)
وفيما يتعلق بالنهج الحضاري المعاصر "الديمقراطية"، هنا يشير المؤلف ان "الديمقراطية هي نظام ينشأ وليد الإرادة العامة، والحكومة الديمقراطية هي الحكومة التي تجعل الشعب صاحب السلطة ومصدر السيادة". ولن تكتمل الديمقراطية دون "نظم برلمانية" محترمة لا تشوبها شبهات.
وهنا أرى ان يحكم "الانتخاب" نهج ديمقراطي بعيد عن المحسوبية والوساطة كما هو شائع في بلدان عربية وإسلامية حيث تمارس الضغوط على الناخبين لمصلحة بعض المرشحين، تقليد لم نتحرر منه بعد.
يشير د. الانصاري الى "تأثير العصبيات القبلية والعشائرية والطائفية" والى "تأثير عامل المال في شراء الأصوات والرشوة الانتخابية". (المرجع السابق ص 22)
وفي ملاحظة هامة يقول الانصاري "ان فاعلية البرلمانات في الرقابة السياسية على نهج السلطة التنفيذية ضعيفة وبخاصة فيما يتعلق بحق الاستجواب وطرح الثقة". (المرجع السابق ص 23)
في كتابه يتطرق المؤلف الى "تمثيل المرأة وهو يرى ان المرأة تساهم بشكل واسع في مختلف مجالات التنمية. ومع ذلك فإن تمثيلها في المجالس النيابية لا يزال ضعيفًا.
في حديثه عن "أوجه الاستفادة" بين الشورى والديمقراطية، يشير الدكتور الانصاري "ان الشورى يمكن ان تأخذ من الديمقراطية أساليب وآليات ومظاهر تحقق الأهداف العامة للاسلام في اقرار العدل واحترام الحقوق والحريات العامة للإنسان. وفي حديثه عن "الأحزاب السياسية" يرى انها أساس الديمقراطية.
اما موقف الشورى من النظام السياسي، فثمة اتجاه يرفض هذا النظام (المؤلف ليس من أنصاره) واتجاه يشجعه مادام ملتزمًا باصول الشريعة.
يشير المؤلف الى ما تتعرض له الديمقراطية المعاصرة من نقد شديد في مجال الحريات بالذات بسبب "الطغيان الرأسمالي" الذي تمتهن الحريات، مما يستوجب "تصحيح المسار الديمقراطي المعاصر".
د. الانصاري يؤكد ان الديمقراطية المعاصرة اذا ارادت ان تصحح مسارها مطالبة بالعودة الى الايمان الذي يؤكد على "الوازع الداخلي".
وبعد، إن هذا الكتاب تكمن أهميته في موضوعيته باستنارة مؤلفه، فهو بحق عالم دين غير تقليدي –اذا صح التعبير- مؤلفاته كلها وهي متعددة لا تتعصب لرأي منفتحة على حضارة العصر "تستلهم من الإسلام قيمه الإنسانية والأخلاقية".