الصدق المُكلف .. كيف اختار خالد بكّار أن يحمي الضمان الاجتماعي بالحقيقة؟
د. محمد خالد العزام
18-12-2025 12:09 PM
في لحظة عامة تميل فيها اللغة الرسمية إلى التهدئة المفرطة، خرج معالي خالد بكّار عن المألوف، واختار أن يتحدث إلى الناس بلا مساحيق لغوية ولا عبارات مريحة. لم يذهب إلى الوعد السهل، ولا إلى الطمأنة التي تُشبه التخدير، بل قال ما يجب أن يُقال: إن الواقع الحالي للضمان الاجتماعي مقلق، وإن الاستمرار بالنهج نفسه قد يقود إلى مأزق حقيقي مع اقتراب عام 2030. لم يكن في الكلام تهويل، بل قراءة مباشرة للوقائع كما تفرضها الأرقام.
هذا الموقف لم يأتِ معزولًا، بل يندرج ضمن نهج شفافية حكومية واضحة يقودها دولة رئيس الوزراء جعفر حسان، وتقوم على مصارحة الأردنيين بالتحديات قبل أن تتحول إلى أزمات، وعلى إدارة الملفات الحساسة بعقل الدولة لا بلغة التطمين المؤقت. وفي هذا السياق، جاء حديث خالد بكّار بوصفه ترجمة عملية لهذا التوجه، وتنفيذًا صريحًا لفلسفة تقوم على الوضوح لا الالتفاف، وعلى الشراكة مع المجتمع لا مخاطبته من برج إداري مغلق.
هذا النوع من التصريحات لا يُكسب صاحبه شعبية سريعة، لكنه يكشف عن فهم عميق لمعنى المسؤولية. فالحديث عن الضمان الاجتماعي ليس شأنًا تقنيًا معزولًا، بل مسألة تمس مستقبل مئات الآلاف من الأسر، وحق أجيال كاملة في الأمان بعد سنوات العمل. حين تُقال الحقيقة بهذا الوضوح، فهي لا تُقال بدافع الإثارة، بل بدافع الحرص، وكأن الرسالة موجّهة لكل بيت: ما نملكه اليوم أمانة، وما نقرره الآن سيُحاسَب عليه الغد.
بهذا الخطاب، خرج ملف الضمان من الإطار الضيق للتقارير والبيانات، ودخل المساحة العامة للنقاش. لم يعد حديثًا عن صندوق وأرقام جامدة، بل عن توازن دقيق بين الحماية الاجتماعية والاستدامة المالية. تغيّر السؤال في أذهان الناس، فلم يعد محصورًا في مطالبة الدولة وحدها، بل أصبح أوسع وأكثر نضجًا: كيف نحمي هذا النظام دون أن نُفرغه؟ وكيف نطالب بالحقوق دون أن نهدد أصلها؟
اللافت في هذا النهج أنه لم يفصل بين البعد الإنساني والبعد المالي، بل جمعهما دون تناقض. فالدفاع عن العدالة الاجتماعية، كما قُدِّم هنا، لا يعني القفز فوق الحسابات، ولا توزيع الطمأنينة دون رصيد. العدالة، في جوهرها، تبدأ من إدارة حكيمة للموارد، ومن قرارات قد تكون صعبة، لكنها ضرورية لتجنّب انهيار أكبر. ومن هذا المنظور، بدا الحرص على أموال الضمان حرصًا على كرامة العامل قبل أن يكون حرصًا على ميزانية.
في العمق، ما جرى هو أكثر من موقف إداري. إنه تعبير عن نمط مختلف في التفكير العام، نمط لا يؤجل المواجهة، ولا يراهن على النسيان. فحين تختار الحكومة أن تقول الحقيقة مبكرًا، عبر وزرائها ومسؤوليها، فهي تتحمّل كلفتها الآن، لتجنّب المجتمع كلفة مضاعفة لاحقًا. وهذا جوهر الشفافية التي لا تُقاس بكثرة التصريحات، بل بجرأة المصارحة، وبالقدرة على تحمّل تبعات الكلمة.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن قراءة هذا الموقف إلا بوصفه انعكاسًا لشخصية قيادية ناضجة في العمل العام؛ شخصية تُقدّم المصلحة الوطنية على الحسابات الضيقة، وتتعامل مع المنصب بوصفه تكليفًا لا تشريفًا. لقد أثبت خالد بكّار، في انسجام واضح مع التوجه العام للحكومة، أن المسؤول الحقيقي هو من يحمي المال العام بالفهم والعقل قبل القرار، وبالصدق قبل الخطاب، وبالشجاعة قبل المجاملة. إنه نموذج لوزير يدرك أن أصعب ما في القيادة ليس اتخاذ القرار، بل قول الحقيقة في وقتها، وحماية مستقبل الناس ولو على حساب راحته الشخصية.
وفي زمن تُدار فيه بعض الملفات بمنطق التأجيل، يبرز هذا الموقف بوصفه رسالة ثقة بين الدولة والمجتمع، ورسالة مفادها أن الشفافية ليست شعارًا بل ممارسة. فحين تقود الحكومة، برئاسة دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، نهج المصارحة، ويترجمه وزراء ميدان مثل معالي خالد بكّار إلى خطاب صريح ومسؤول، فإننا نكون أمام نموذج دولة تحترم عقل مواطنيها، وتراهن على وعيهم لا على نسيانهم.
لقد قدّم خالد بكّار درسًا نادرًا في العمل العام: أن حماية الضمان الاجتماعي لا تكون بإخفاء الحقيقة، بل بكشفها في الوقت المناسب، وأن صون المال العام يبدأ من الشجاعة في الاعتراف بالتحديات، لا من الهروب منها. هذا هو الفارق بين إدارة تُطفئ الحرائق، وقيادة تمنع اشتعالها أصلًا.
وإن هذا النهج الصريح والمسؤول لا يمكن فصله عن الأداء العام لحكومة دولة الدكتور جعفر حسان، التي رسّخت مفهوم الدولة الصادقة مع مواطنيها، وقدّمت نموذجًا متقدمًا في إدارة التحديات بعقلانية وثقة وشراكة وطنية. إنها حكومة لا تتهرّب من الحقيقة، ولا تساوم على المصلحة العامة، بل تعمل بصمت وثبات لحماية الاستقرار، وصون المال العام، وبناء مستقبل أكثر أمانًا وعدالة للأردنيين. وفي هذا السياق، يشكّل ما جرى تأكيدًا أن الأردن، بقيادته وحكومته، يسير بخطى واثقة نحو دولة مؤسسات تحترم عقل المواطن وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.