"شيزوفرينيا الوعي الوطني"
م. فرحان الخوالدة
19-12-2025 07:34 PM
يمكن توصيف الحالة الراهنة للوعي الجمعي الأردني بوصفها حالة “شيزوفرينيا سياسية–هوياتية” مركّبة، تتجلى في انفصام واضح بين الذاكرة الوطنية المفترضة والسلوك الثقافي–الاجتماعي الفعلي، بحيث يعيش المجتمع حالة من الازدواجية الإدراكية (Cognitive Dissonance) واللااتساق القيمي، فيُهمّش رموزه الوطنية التاريخية والقيادية التي شكّلت البنية التكوينية للدولة الأردنية الحديثة، ويعيد إنتاج خطاب تهميش الذات لحساب تمجيد الآخر وتقديس رموزه، ضمن سياق يعكس هشاشة السردية الوطنية وضعف منظومة تمكين الوعي التاريخي وغياب سردية سيادية جامعة تتعامل مع الماضي بوصفه مكوّنًا وجوديًا لا مجرد مادة توثيقية محايدة.
إن هذا التفكك السردي، وما يرافقه من استلاب ثقافي وانحياز لاواعي للرمز الخارجي، لا يُعدّ مجرّد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هو مؤشر على أزمة بنيوية في إنتاج الهوية وفي إدارة الذاكرة الجمعية؛ أزمة تتغذى من قصور مؤسسي مزمن في توثيق الذاكرة الوطنية وتدوين المسار التاريخي للدولة كحكاية وجود سياسي متكامل، لا كتسلسل أحداث متقطع ومنفصل عن وعي الأجيال.
وقد عبّر سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني بوعي استراتيجي نافذ عن خطورة هذا الفراغ السردي حين أكد ضرورة الشروع الفعلي في “توثيق سرديتنا الأردنية” وتمكين كل أردني من الإسهام في صياغتها، ارتباطًا بالإرث النضالي للثورة العربية الكبرى ومعاركها ورموزها وتضحيات الأجداد، مشددًا على أن هذا الملف ليس ترفًا خطابيًا ولا مشروعًا شكليًا، بل قضية سيادية تمس الهوية وتبني الحاضر وتؤسس لوعي الأجيال المقبلة.
إن الاستجابة لهذا النداء لا تُعد إجراءً بروتوكوليًا بل استحقاقًا وطنيًا وجوديًا يهدف إلى إعادة إنتاج الذات الأردنية كذات واعية بتاريخها، محصّنة ضد التفكيك الرمزي، قادرة على تجاوز حالة الشيزوفرينيا الوطنية، وبناء سردية سيادية متماسكة تعيد الاعتبار لقامات الوطن ورموزه، وتُنهي حالة الارتهان النفسي للآخر، وتؤسس لهوية راسخة لا تعرف الانقسام ولا الانبهار المرضي بما هو خارجها.