نحو تنفيذ فعّال لرؤية الأردن عبر نماذج التشغيل والحوكمة المرنة
د.م. أمجد عودة الشباطات
21-12-2025 10:45 AM
الإدارة الحديثة تقوم على قاعدة أساسية: النتائج المستدامة تصنعها الأنظمة، لا الأفراد. فالمؤسسات التي تعمل وفق نماذج تشغيل واضحة—توزيع للصلاحيات، ومسارات قرار محددة، وتدفّقات عمل منضبطة، ومؤشرات أداء تقيس الأثر—تُنتج قدرة تنفيذية مستقرة، بينما المؤسسات التي تعتمد على الاجتهاد الفردي تبقى غير قابلة للاتساق. دور القائد والخبير هو تشخيص المنظومة بكاملها ومعالجة نقاط الضعف عبر أدوات منهجية تشمل إدارة المحافظ والبرامج، ورفع مستوى النضج المؤسسي PMO maturity level، وتطبيق هندسة القيمة وتحليل البدائل، وتطوير الحوكمة التي تربط القرار بنتيجته.
وعند إسقاط هذا المنظور على التحديث الإداري والاقتصادي في الأردن، يتبيّن أن رؤية التحديث الاقتصادي ومحاور التحديث الإداري حدّدت الاتجاهات العامة دون ترجمتها إلى نموذج تشغيل حكومي يوضح إدارة الأولويات، وآليات التكامل بين البرامج القطاعية، وطرق قياس التقدم. كما أن التنفيذ كان يستلزم إعادة هيكلة مسبقة لعدد من المديريات داخل الوزارات لتهيئتها للعمل بمنهجيات قائمة على المشاريع والبرامج؛ فالبنية التنظيمية غير المهيأة تحدّ من قدرة أي رؤية على التحول إلى نتائج.
وكان من الضروري تبنّي منهجية تفصيلية لإدارة المشاريع مثل Prince2 ضمن إطار موحّد يحدد النطاق والمسار والمخاطر وآليات الضبط والمسؤوليات، بما يجعل المبادرات قابلة للمتابعة الدقيقة. وإلى جانب ذلك، يبرز دور نموذج الحوكمة المرنة الذي يتيح اتخاذ قرارات تصحيحية سريعة وإعادة توجيه الموارد وتجاوز الجمود التشغيلي الذي يعيق التنفيذ.
وفي تقييم واقع التنفيذ، تظهر ملاحظات منهجية تستحق التأمل. فالوثائق الرسمية توفر إطارًا عامًا للمتابعة، إلا أن مستوى التفاصيل المنشور لا يتيح تقييمًا معمقًا لمدى تقدم القطاعات المختلفة أو مقارنتها بصورة موضوعية، مما يخلق فجوة بين المتاح للرأي العام وما يحتاجه صانع القرار لقياس الأثر. كما أن تعدد الجهات المنفّذة وتنوع برامجها يبرز الحاجة إلى نموذج تشغيل موحّد يضمن انسجام منهجيات العمل عبر المؤسسات، وهي مسألة شائعة في برامج التحول الواسعة حين تتعدد الجهات المعنية. كذلك فإن حجم الرؤية وتداخل ملفاتها يستدعي وجود قدرة تنفيذية مركزية متخصصة تمتلك أدوات المتابعة واتخاذ القرار وتنسيق الأولويات على المستوى الوطني، بحيث تعمل الجهات ضمن إطار موحّد وإيقاع زمني متناسق.
ورغم هذه التحديات، فإن الوقت لم يفت. فنجاح الرؤية لا يرتبط بمرحلة الانطلاق بقدر ما يعتمد على تصحيح المسار وبناء الأدوات أثناء التنفيذ. وما زال بالإمكان تطوير نموذج التشغيل، وتوحيد آليات العمل، وتفعيل الحوكمة المرنة، وبناء قدرة تنفيذية مركزية ترفع مستوى الاتساق بين الجهات. وقد أثبتت تجارب دولية عديدة أن التحولات الكبرى تتحقق عندما تُدار الفجوات بوعي، وتُعدّل الأدوات وفق الحاجة، وتُعتمد منهجية واحدة تضمن استمرارية التنفيذ. وبهذا يمكن للرؤية أن تنتقل من مستوى الطموح إلى مستوى الأثر، ومن التخطيط إلى التطبيق، ومن الوثيقة إلى النتائج التي يلمسها المواطن.