يحار المرء في طبيعة تفكير حزب جبهة العمل الإسلامي، وهم يرون أن المأزق الذي قادتهم إليه الجماعة بتهورها بعد أن كشفت الجهات المختصة المخططات الإرهابية والنيّات التخريبية على أرض الوطن في وقت ماض، وصدور أحكام قضائية بحق بعض منسوبي الإخوان ومنهم من ينتسب لحزب الجبهة وهذا ما لا غرابة فيه؛ فالعلاقة بين الجماعة والحزب عضوية ولا فكاك بينهما، ومع ذلك وبرغم من تطورات إقليمية ودولية تضغط باتجاه عدّ الإخوان ومن يحسب في صفهم جهات إرهابية، لم تقم الجماعة بالتقدم و لو خطوة واحدة نحو إجراء مراجعات حقيقية لأدبيات الحزب و علاقاته الخارجية و علاقته مع الدولة الأردنية ؛ و لكن السؤال الذي يطرح نفسه لِمَ لم يُقدِم الحزب على هذه الخطوة الضرورية لبقائه و ديمومته بشكله الحالي أو بغيره ، و الإجابة بظني لا تخرج عن أن الحزب قد وقع في أربعة أوهام سيطرت على طبيعة استجابته للظروف الحالية ، و هي :
الوهم الأول ؛ و يكمن في تصور الحزب في أنه يملك الحق الحصري في تمثيل الأردنيين من الأصول الفلسطينية و هذا وهم كبير ؛ فهؤلاء أردنيون ممثلون في مختلف مستويات مؤسسات الدولة و لا يحتاجون لمن يحمل قميصهم في وجه المجتمع ؛ فهم أردنيون و لا تفاضل بين الأردنيين إلا بالإخلاص للوطن و العرش !.
الوهم الثاني ؛ و هو الرصيد الانتخابي الذي تحقق لهم في الانتخابات الأخيرة ؛ و هي نتيجة جاءت لأن الحزب استغل عاطفة الناس اتجاه محرقة غزّة ، و قد تم تكييش ذلك عبر أصوات صبّت في الصناديق ؛ لا لقناعة من الناس بخطابهم ، و إنما لأنهم لعبوا على عواطف الناس و مشاعرهم فجمعوا من الأصوات و الدنانير ما لم يتضح إلى الآن أين صُرِّفت هذه المبالغ خارج البلاد ؛ هل هي على شقق و عقارات في ملاذات آمنة أم ودائع بأسماء منتميين للجماعة في الخارج ؟.
الوهم الثالث ؛ و هو يقوم على إيمان خادع بأن الدولة ليست ذاهبة باتجاه الحسم في ملفهم ، و أنهم يراهنون على الوقت في تبريد موقف الدولة منهم ؛ قياساً على أزمات سابقة لم تحسم فيها الدولة موقفها منهم ، و هذا رهان خاسر لأن الظروف الآن لا تقاس بأي حال بمثيلها في الماضي ؛ فهناك عواصف عاتية قادمة من غير مكان و دولة باتجاه تجريم الجماعة و أذرعتها المختلفة على هذا الكوكب ، و هذا لا يعني أن الدولة أخذت موقفاً بناء على معطيات جديدة دولية ، و إنما بناء على مستجدات فرضتها الساحة المحلية أخطات فيها الجماعة في حساباتها ؛ فقفزت على ثوابت وطنية و قامت بتمثيل الآخرين بالوكالة على الأرض الأردنية !.
الوهم الرابع، وهو يقوم على إعادة تفعيل مبدأ التقية الذي تحسن الجماعة و الحزب توظيفه هروباً من استحقاقات بنيوية و مصيرية تخص الجماعة وحزبها ؛ فلم تعد التقية صالحة للتداول في مجتمع خَبِرَ الجماعة و حزبها على نحو يجعل من الصعوبة بمكان خداع الناس مرة بعد مرة؛ طلباً للهروب من الاستحقاقات المطلوبة في المراجعة و تبييض صفحة الجماعة و حزبها من المكاسرة و تمثيل الآخرين بالوكالة وتخوين الدولة على مدار السنوات السابقة!.
وبعد، فهل يفيق الإخوان و حزبهم من غفلته و وهمه الذي وقع في شراكه ؛ ليتقدموا بخطوات عملية نحو مفارقة النسخة القديمة من سلوكهم السياسي و امتداداتهم العابرة للحدود و رجوعهم نحو الالتزام الأدبي و السياسي بالعمل كحزب وطني يمارس عمله السياسي و الحزبي من منطلق وطني أردني؟.