* الأسرة والطفولة.. والحاجة لإنشاء مركز وطني للعناية بالصحة النفسية للأسرة والطفل!
لقد بذلت الحكومات المتعاقبة جهوداً منقطعة النظير داعمةً للبرامج الصحية وتطويرها ، وتمثل ذلك بدعم مستشفيات القطاع الطبي العام وافتتاح ودعم العديد من المراكز الطبية التخصصية مثل مركز السكري ومراكز القلب وزراعة الاعضاء ومركز الحسين للسرطان ومركز الاورام العسكري والعديد غيرها ….، ودعم مشاريع الصحة النفسية بشكل عام والبرامج والمشاريع التي تعنى بالاشخاص ذوي الاعاقة.
ولكن ومن وجهة نظري وقد يشاركني أخرين بأن هناك تأخير في دعم برامج الأسرة والطفولة ، والمتمثلة وعلى سبيل المثال بعدم بوجود مركز وطني للعناية بالأسرة والطفل على مستوى المملكة لدعم وتطوير برامج الصحة النفسية لهذه الفئة الاستراتيجة والتي هي الركيزة والغالبية العظمى في المجتمع الأردني .
المملكة الاردنية الهاشمية ودول الشرق الأوسط بشكل عام مجتمعات فتية ونسبة الأطفال والمراهقين فيها تتجاوز ال 50% ، والأهم أن حجم المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تواجه هذه الفئة هي مشكلات كبيرة ومعقدة.
عالمياً هناك ارتفاع واضح في معدلات انتشار الاضطرابات النفسية إضافة الى عدم الوعي لمخاطر هذه الاضطرابات وخاصة وعلى سبيل المثال ؛ اضطراب فرط الحركة والتشتت ADHD واضطراب طيف التوحد وارتفاع في معدلات انتشار إساءة استعمال المؤثرات العقلية بين الشباب والتي أساسها التفكك الأسري أو اضطرابات نفسية وسلوكية لم تُشخّص بالوقت المناسب أو لم تُعالج ،ولأسباب أهمها عدم الوعي أو الخوف من وصمة المرض النفسي أو عدم توفر الخدمات اللازمة والضرورية لخدمة هذه الفئة.
والملاحظ أيضًا أن الاهتمام ببرامج الصحة النفسية المدرسية لم تصل لغاية الآن الى الحدود الدنيا من الطموحات وخاصة أن المدرسة تعتبر من أهم الأعمدة لمؤسسات المجتمع المدني.
إضافة الى أن النسبة الكبيرة من الاضطرابات النفسية تتضح أو تبدأ معالمها بالظهور في المراحل الدراسية المختلفة وقد لا يملك المدرسين المقدرة على التعرف على بعض الأعراض النفسية وأهميتها والتي يجب التبليغ عنها أو الاشارة اليها، ويقابل ذلك نقص شديد في برامج التوعية الصحية النفسية التابعة للجهات الرسمية على الأقل .
تجدر الإشارة إلى أن معدلات انتشار العديد من الحالات القابلة للعلاج مثل اضطراب فرط الحركة والتشتت عن الأطفال عالميا ً تتجاوز 10% أما محلياً فالارقام والنسب أعلى بكثير حسب بعض الدراسات والتي اجريت محلياً من قبل الزملاء الأفاضل ؛ فاذا افترضنا أن نسبة الأطفال الذين أعمارهم أقل من 18 عام (50% ) من مجموع السكان ، وبالتالي فإن عدد ممن يحتمل أن يعاني من هذا الاضطراب لا يقل عن 500000 طالب وعلى أرض الواقع فإن نسبة ممن يعالجون من هذا الاضطراب ضئيلة جداً جداً .
وتجدر الإشارة الى إن العلاقة ما بين هذا الاضطراب وتعاطي المؤثرات العقلية / المخدرات عالية جدا وخاصة الحالات غير المعالجة ، ومثال على ذلك فقد أثبتت الدراسات بأن 20% من الأشخاص الذين يعالجون في مراكز الإدمان يعانون من اضطراب فرط الحركة والتشتت ADHD غير المعالج .
ناهيك عن حالات اضطراب طيف التوحد غير المشخصة وما يترتب على ذلك من مشاكل سلوكية واضطرابات نفسية للحالات غير المشخصة والمعالجة.
نحن الآن بأمسّ الحاجة للبدء بالتفكير بمشروع وطني لتأسيس مركز وطني مختص بالأسرة والطفولة في الوسط والشمال والجنوب لرفع درجة الاهتمام بالصحة النفسية لهذه الفئة الاستراتجية من السكان ؛ إضافة الى دعم وتقوية برامج الصحة النفسية المدرسية وتدريب المعلمين والمشرفين على الطلبة للتعرف الى الاضطرابات النفسية وأعراضها لاكتشاف الحالات مبكرًا وتحويلها للعلاج والرعاية اللازمة وأن تكون برامج التدريب لاكتشاف والتعرف على الاضطرابات النفسية عند الاطفال والمراهقين جزء من منهاج تدريب المعلمين . نحن الان بأمس الحاجة لتبني حملة توعية وطنية وبرنامج استراتيجي للتوعية بأهمية الصحة النفسية للأسرة والطفل ودعم برامج الدعم النفسي والخط الساخن والإرشاد الأسري .
الكفاءات متوفرة ولكنها مبعثرة وهي بحاجة الى إعادة تنظيم ودعم رسمي، والمرحلة القادمة حرجة والأسرة والطفل عُرضة لضغوط شديدة مما يجعلها أرضية خصبة لظهور و تفاقم الاضطرابات باشكالها المختلفة.
وبرأيي الشخصي وفي ظل المتغيرات الاجتماعية والسياسية والإقليمية المتسارعة ؛ فقد أصبحت الحاجة حتمية مصيرية للبدء بدعم هذه الفئة والتي هي اللبنة الأساسية لمؤسسات المجتمع المدني.