facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رؤية التحديث الاقتصادي: بين طموح الأهداف وتحديات التنفيذ


د. حمد الكساسبة
22-12-2025 10:11 AM

منذ مطلع عام 2023، دخلت رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن حيّز التنفيذ بوصفها الإطار الأشمل لتوجيه مسار الاقتصاد الوطني حتى عام 2033. وقد وضعت الرؤية أهدافًا واضحة وطموحة، أبرزها رفع معدل النمو الاقتصادي الحقيقي إلى نحو 5.6% سنويًا، وخلق أكثر من مليون فرصة عمل خلال العقد، واستقطاب استثمار أجنبي مباشر بمتوسط يقارب 4 مليارات دولار سنويًا، إلى جانب تعزيز تنافسية الاقتصاد الأردني. وجاءت هذه الأهداف استجابة لتحديات اقتصادية معروفة، في مقدمتها تباطؤ النمو، وارتفاع البطالة، وضعف الاستثمار المنتج.

غير أن مرور ما يقارب ثلاثة أعوام على بدء التنفيذ يستدعي تقييمًا واقعيًا لمسار التطبيق. فالمؤشرات المتاحة حتى نهاية عام 2025 تُظهر أن متوسط النمو الحقيقي بقي عند حدود 2.5–2.8%، وهو مستوى أدنى من المسار المطلوب لتحقيق أهداف الرؤية. كما لم تتجاوز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المتوسط 1–1.5 مليار دولار سنويًا، في حين استمرت معدلات البطالة عند مستويات مرتفعة، ما يعكس فجوة واضحة بين الأهداف المعلنة والنتائج المتحققة على أرض الواقع.

وتتجلى هذه الفجوة بصورة أوضح عند النظر إلى ملف التنافسية. فعلى الرغم من التحسينات التشريعية والإجرائية التي أُنجزت، لا تزال كلف الإنتاج مرتفعة، والإنتاجية محدودة، وسرعة إنجاز الأعمال دون المستوى المطلوب. ورغم أن الرؤية استهدفت رفع موقع الأردن ضمن الشرائح الأعلى عالميًا في مؤشرات التنافسية، فإن المؤشرات الحالية لا تشير إلى تقدم كافٍ في هذا الاتجاه، ما يعني أن أثر الإصلاحات لم يصل بعد إلى جوهر النشاط الاقتصادي.

ويزداد هذا التحدي أهمية مع عامل الزمن. فالفترة الممتدة بين عامي 2026 و2030 تُعد نافذة حاسمة لتحقيق أهداف الرؤية، إذ إن استمرار الأداء عند مستوياته الحالية يضيّق هامش المناورة في السنوات الأخيرة حتى عام 2033. وكل تأخير في تسريع النمو والاستثمار والتشغيل يراكم كلفة اقتصادية واجتماعية، ويجعل تحقيق الأهداف أكثر صعوبة مع مرور الوقت.

وفي هذا السياق، أشارت الحكومة إلى أن معدل النمو الاقتصادي يمكن أن يصل إلى نحو 4% في عام 2028، إذا ما سارت وتيرة التنفيذ وفق المخطط. وتعوّل الحكومة في هذا المسار على حزمة من المشاريع الكبرى التي يُفترض أن يبدأ تنفيذها اعتبارًا من مطلع عام 2026، خصوصًا في قطاعات النقل والمياه والطاقة، بما في ذلك مشاريع السكك الحديدية، وتطوير حقل غاز الريشة كمشروع إنتاجي مباشر، إضافة إلى مشروع مدينة عمرة. ورغم أن هذه المشاريع لن تكتمل جميعها قبل عام 2030، فإن من المفترض أن يبدأ أثرها الاقتصادي تدريجيًا خلال مراحل التنفيذ.

غير أن هذا الأثر المبكر لا يتحقق تلقائيًا. فالمشاريع الكبرى، إذا لم تُربط منذ البداية بسياسات تشغيل واضحة، وبمشاركة حقيقية للاقتصاد المحلي، قد تتحول إلى مشاريع إنشائية كبيرة ذات أثر محدود على النمو والتشغيل. ولذلك، فإن التحدي لا يكمن في حجم هذه المشاريع، بل في طريقة إدارتها وربطها المباشر بالنشاط الاقتصادي، وفي قدرة المؤسسات العامة على تنفيذها بكفاءة وضمن جداول زمنية واضحة.

كما يبرز دور القطاع الخاص كشريك أساسي في إنجاح الرؤية، لا بوصفه متلقيًا للفرص فقط، بل كمحرّك فعلي للاستثمار والتشغيل ونقل المعرفة. فشراكة واضحة ومستقرة مع القطاع الخاص، تقوم على توزيع الأدوار والمخاطر، من شأنها أن تعزّز المحتوى المحلي، وتسرّع تنفيذ المشاريع، وتحوّل الإنفاق الاستثماري إلى نمو أكثر استدامة، بدل الاكتفاء بأثر مؤقت.

وفي المرحلة المقبلة، تبرز الحاجة إلى ترتيب أولويات التنفيذ بصورة أكثر وضوحًا. فبدل السعي المتزامن لتحقيق جميع الأهداف، يصبح من الأكثر واقعية التركيز على عدد محدود من الأولويات القابلة للقياس، وعلى رأسها التشغيل، وتحفيز الاستثمار المنتج، وخفض كلف الإنتاج. كما أن تعزيز أدوات المتابعة وربط الأداء بمؤشرات واضحة يشكّل عنصرًا حاسمًا في تقليص الفجوة بين التخطيط والتنفيذ.

وفي الخلاصة، تُظهر تجربة السنوات الأولى من التطبيق أن رؤية التحديث الاقتصادي ما تزال قابلة للتحقق، لكن نجاحها مرهون بقدرة أدوات التنفيذ على تحويل الطموح إلى نتائج ملموسة. فالتحديات الإقليمية أسهمت جزئيًا في إبطاء المسار، إلا أن العامل الحاسم يبقى داخليًا، ويتعلق بجودة الإدارة، ووضوح الأولويات، وفعالية الشراكة مع القطاع الخاص. والسنوات القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت الرؤية ستبقى إطارًا طموحًا، أم ستتحول إلى واقع اقتصادي ملموس ينعكس مباشرة على النمو وفرص العمل واستقرار الاقتصاد الوطني.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :