facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




روحُ المحافظة عندما تسكن الحشود الرياضية


د. بركات النمر العبادي
22-12-2025 10:31 AM

في زمنٍ يتسارعُ فيه التغيير، وتتشظى فيه الهويات بين موجات الحداثة الجارفة ، تظهر روح المحافظة كحارسٍ أمين لذاكرة المجتمع ، وكأنها ذلك النبض الذي يسري في شرايين الحياة اليومية ، فيُعيد للأشياء معناها ، ويثبّت للناس جذورهم في أرضهم.

حين تسكن روح المحافظة مجتمعًا ما ، فإنها لا تمكث في الزوايا المعزولة أو في المتاحف الصامتة ، بل تنبعث في الهواء ، وتتمدد لتتغلغل في العادات والتقاليد ، وتترك أثرها في السلوكيات اليومية ، واللباس ، واللغة ، والمناسبات ، وحتى في طريقة استقبال الضيف أو وداعه.

هذه الروح ليست قيدًا على الحاضر، بل هي صلة رحمٍ بالماضي ، وانتماءٌ متجددٌ للقيم التي بُني عليها المجتمع.

حين تنمو الأجيال في ظل الجذور تُشكّل التجمعات الشبابية في المجتمعات المحافظة صورة من صور الاندماج بين الأصالة والطموح ، فالشاب في هذا الإطار لا يخلع جلده بحثًا عن المعنى ، بل يغوص في تراثه ليكتشف فيه ذاته ، تجد المجالس الشبابية تمتلئ بحديثٍ عن المستقبل ، نعم ، لكن بلغة الماضي ، وتحت سقفٍ من القيم الراسخة : احترام الكبير، حفظ اللسان ، وتقديم المصلحة العامة على النزوات الفردية..

كرة القدم العربية... حين تنتصر الروح قبل الأقدام وفي المشهد الرياضي الأوسع ، تبرز كرة القدم العربية كمرآةٍ لتفاعل المجتمعات المحافظة مع الحداثة ، فالملاعب لم تعد مجرد ساحات للمنافسة ، بل أصبحت مسارح للهوية والانتماء.

وحين حقق المنتخب الأردني انتصاره الباهر مؤخرًا ، لم يكن ذلك مجرّد فوزٍ كروي ، بل لحظةً شعر فيها العرب جميعًا أن الروح لا تزال حية ، وأن القيم قادرة على أن تصنع الفارق داخل الملعب كما خارجه.

لقد هتف الناس في الشوارع ، لا فقط لأهدافٍ سُجّلت، بل لأنهم رأوا في لاعبي المنتخب صورة لأبنائهم ، يجسدون حلم الأمة على منصةٍ عالمية ، كانت تلك اللحظة كافية لتثبت أن الرياضة ، حين تسكنها روح المحافظة ، تتحول من تسلية عابرة إلى قضية وجود ، وإثبات هوية ، وإعلان فخر ، وهذا لم يتغير حتى بعد نتائج المباراة الختامية مع المغرب من تقدير لمنتخب للنشامى الابطال ، فالتقدير للنشاما موصولا و مدفوعا بالروح المحافظة التي تسكن جموع الاردنيين ، التي تفصح عن بناء الثقة الوطنية ، و احياء جذوة الأمل ، واعادة التعريف بطرق النجاح ، وتعليم الأجيال أن الأخلاق ليست عابرة في التاريخ ، بل منتجة له و تعد هذه المعاني المتوطنة في الحشود هي ما تصنع الفرق وتعيد اتقاد المواطنة و احياء الأمم على المدى المنظور و الطويل ، وهي في كثير من الأحيان أثمن من كثير من الالقاب ، و
لم تكن هذه البطولة مجرد حدث رياضي على ارضيات الملاعب ، بل كانت حكاية أردنية معاصرة لاعادة صيغاغة ماهو مكنون بتوقيع اردني معاصر.

الشماغ الأحمر... راية غير مكتوبة للوطن

وفي خضمّ تلك اللحظات الرياضية التي اجتمع فيها الأردنيون حول منتخبهم ، لم يكن الهتاف وحده هو ما لفت الأنظار، بل ذاك الشماغ الأحمر الذي تحوّل إلى راية غير مكتوبة للوطن ، احتضنه الجمهور في المدرجات لا كقطعة قماش ، بل كرمزٍ لأرضٍ وتاريخٍ وهوية ورمزا لاهم مبادىء المحافظة الاردنية (الولاء و الانماء) ، لقد التفّ الشماغ على الأكتاف والجباه ، كما لو أنه يحتضن الجموع ، ويُذكّرهم أنهم أبناء البادية والجبل والوادي ، أبناء الكرامة والوفاء.

كان مشهد الشماغ في المدرجات لحظة تتجاوز الرياضة ، لحظة يذوب فيها الفرد في الجماعة ، ويتحول فيها النسيج التقليدي إلى لوحة وطنية نابضة بالحياة ، ففي زمنٍ تتشابه فيه الأزياء والرموز، يبقى الشماغ الأحمرقادرا على تحريك الحشود و شاهدًا على أن للأردن روحًا لا تُقلد ، ووجهًا لا يُنسى.

الاقتصاد والسياسة... حين يكون الانتماء هو المعيار

في الاقتصاد ، تتجلى روح المحافظة في دعم المنتج المحلي ، واحترام البيع والشراء، وتقدير العمل الشريف مهما كان بسيطًا ، أما السياسة ، فتتجلى فيها عبر الولاء الصادق ، والثقة في القيادة ، والحرص على الاستقرار، بوصفه قيمة تتفوق على المكاسب الآنية.

وفي الختام وفي ظل روح المحافظة ، يصبح الإنسان أكثر اتساقًا مع ذاته ، وأكثر تصالحًا مع ماضيه وحاضره ، هي روح تمنح المجتمعات هوية متجذّرة ، وثباتًا أخلاقيًا ، وتوازنًا بين الماضي والمستقبل ، فليس كل ما هو قديمٌ بائد ، ولا كل جديدٍ مفيد ، وبين هذا وذاك ، تعيش المجتمعات المحافظة بسلامٍ داخلي ، لا يُدركه إلا من عرف أن الثبات على المبادئ في زمن السيولة هو أعظم درجات الشجاعة.

حمى الله الاردن من كل كريهتا





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :