في زمنٍ تتداخل فيه الأصوات وتختلط الرسائل، ويعلو فيه الضجيج على حساب المعنى، يبرز الإعلامي سمير الحياري بوصفه نموذجًا للإعلامي الوطني المهني الذي يعرف أين يقف، وكيف يطرح، ولماذا يسأل. ويأتي برنامجه الحواري «المسافة صفر» على قناة نون ليؤكد أن الإعلام حين يكون صادقًا ومسؤولًا، يتحول إلى شريك حقيقي في صناعة الوعي، لا مجرد ناقلٍ للخبر أو باحثٍ عن الإثارة.

«المسافة صفر» ليس برنامجًا تقليديًا يسبح في دائرة المجاملات أو يكتفي بالعناوين السطحية، بل مساحة حوارية جادة تستضيف شخصيات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وتفتح الملفات الحساسة بهدوءٍ وعمق، بعيدًا عن الاستفزاز الرخيص أو الشعبوية المؤقتة. هو برنامج يحترم عقل المشاهد، ويمنح الضيف حقه في التعبير، ويمنح الجمهور حقه في الفهم والتحليل.

ويستند هذا الأداء المتزن إلى تجربة إعلامية عميقة؛ فالإعلامي سمير الحياري هو أحد مؤسسي موقع “عمون” الإخباري، أول صحيفة إلكترونية أردنية، تلك التجربة الريادية التي شكّلت منعطفًا مهمًا في تاريخ الإعلام الوطني، وأسست لمرحلة جديدة من الصحافة الرقمية، قائمة على الخبر السريع، والرأي الحر، والمسؤولية المهنية. كما يُحسب له أنه من الصحافيين الذين قادوا إدارة صحيفة “الرأي” الأردنية، المؤسسة الصحفية العريقة، في مراحل تطلبت حكمة وخبرة وقدرة على الموازنة بين المهنية الصحفية ومتطلبات المرحلة الوطنية.

ومن موقع الشهادة لا الادعاء، كان لي شرف الكتابة في موقع “عمون” في سنواته الأولى، ضمن زاوية “كتّاب عمون” ثم “عمونيون”، في تلك المرحلة التأسيسية التي لم يكن فيها الموقع مجرد منصة خبرية، بل مشروعًا وطنيًا شابًا يؤمن بالكلمة الحرة، ويمنح الكاتب مساحة محترمة للتعبير، دون وصاية أو إملاء. كانت تجربة “عمون” آنذاك مدرسة صحفية حقيقية، شارك في بنائها كتّاب وإعلاميون آمنوا بأن الصحافة موقف، وأن الرأي مسؤولية.

هذه التجارب المتراكمة انعكست بوضوح على أداء الحياري في «المسافة صفر»؛ فالمحاور هنا ليس طارئًا على المهنة، ولا باحثًا عن حضورٍ عابر، بل صحفي مخضرم يعرف دهاليز السياسة والاقتصاد، ويدرك حساسية الكلمة وأثرها، ويؤمن أن الإعلام الحقيقي يُبنى بالتراكم لا بالضجيج، وبالسؤال العاقل لا بالصراخ.

إن الإشادة ببرنامج «المسافة صفر» هي في جوهرها إشادة بدور الصحافة والإعلام الوطني حين يلتزمان المهنية والمسؤولية. فالإعلام ليس منبرًا للتجريح، ولا أداة للتأزيم، بل رسالة ووعي وبناء رأي عام مستنير. وحين يتولى هذه الرسالة إعلاميون من طراز سمير الحياري، يصبح الإعلام رافعة للوطن لا عبئًا عليه.

في «المسافة صفر» نرى كيف يمكن للحوار أن يكون جسرًا لا خندقًا، وكيف يمكن للسؤال أن يكون مدخلًا للفهم لا للاصطياد، وكيف يمكن للإعلام أن يختلف دون أن يسيء، وأن ينتقد دون أن يهدم.

تحية للإعلامي سمير الحياري، ولطاقم برنامج «المسافة صفر»، ولتجربة “عمون” البدايات، ولكل إعلام وطني يؤمن أن الكلمة أمانة، وأن الوطن يستحق إعلامًا صادقًا، مهنيًا، ومسؤولًا.

* جامعة مؤته