الحدود الأردنية – السورية: حين يصبح الأمن اختبار سيادة لا حادث تهريب
صالح الشرّاب العبادي
24-12-2025 11:05 AM
لم تعد الحدود الأردنية – السورية مجرد خط جغرافي يُراقَب، بل تحوّلت في إلى مسرح اختبار سياسي وأمني لما يجري داخل سوريا وما يُعاد تشكيله في الإقليم بأكمله ، الاحداث على الشريط الحدودي لا يمكن قراءتها كحوادث تهريب معزولة، ولا كاشتباكات تقنية بين دوريات حرس حدودية ومجموعات خارجة عن القانون، بل هو انعكاس مباشر لمرحلة سيولة أمنية وسيادية داخل الجنوب السوري.
الأردن، الذي تعامل طوال سنوات الأزمة السورية بمنطق الدفاع المتقدّم ، يجد نفسه اليوم أمام مشهد مختلف: سوريا جديدة قيد التشكل، سلطة مركزية تحاول بسط نفوذها، قوى مسلحة في طور الدمج أو التمرّد، وشبكات تهريب تبحث عن الفراغات لا عن الشعارات ، وشبكات اموال تدار خارج الحدود ، وانفلات امني ، ومحاولات لنقل الأزمات والصراعات إلى خارج الحدود السورية ، وفي مثل هذه اللحظات، تصبح الحدود أول مكان ينفجر فيه التناقض الداخلي السوري .
التصعيد الأخير يحمل عدة دلالات ، أن التهريب لم يعد نشاطًا إجراميًا تقليديًا، بل بات منظّمًا، مسلحًا، ويجسّ النبض الأمني عمداً ، اضافة أن الأردن لم يعد يتعامل مع هذه الظاهرة بوصفها عبئًا اقتصاديًا أو أمنيًا محدودًا، بل بوصفها تهديدًا سياديًا مباشرًا يستوجب قواعد اشتباك واضحة وحاسمة ، وهذا حتماً معمول به ويجب ان تُحدث في كل مرة حسب المواقف ، فلم تعد قواعد الاشتباك التقليدية ردعية او ذات جدوى .
أن هذا التصعيد يتزامن مع التوترات الداخلية في سوريا ، من ريف دمشق إلى تدمر إلى حلب شمالًا إلى الجنوب، ما يشير إلى أن الفراغات الأمنية لا تُغلق بالبيانات السياسية، بل بالقدرة الفعلية على ضبط الأرض. وحين تعجز الدولة في أي بقعة عن فرض السيطرة، فإن الحدود المجاورة تدفع الثمن فورًا.
من هنا، يمكن القول إن الأردن لا يخوض معركة حدود، بل معركة استقرار إقليمي مبكر ، فترك هذه الظواهر تتضخم يعني انتقال التهديد من التهريب إلى الفوضى، ومن الفوضى إلى التنظيم، ومن التنظيم إلى الإرهاب ، وهذا ما خبرته عمّان جيدًا وتديره قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ببراعة واقتدار ، ولن تسمح بتكرار حتى التفكير بالمحاولات الفاشلة.
الرسالة الأردنية اليوم واضحة:
الأمن ليس ملفًا مؤجلاً بانتظار اكتمال التسويات السياسية في دمشق، والحدود ليست منطقة رمادية قابلة للاختبار ، ولا هو ممر لتصدير الفوضى ، ما يجري هو فرض معادلة ردع وقائية في لحظة انتقالية شديدة الحساسية ، مع وجود تضاربات مصالح وفراعات أمنية وسياسية ونمو تنظيمات واندماج قوى ..
وفي المقابل، فإن على الدولة السورية الجديدة أن تدرك أن استعادة السيادة تبدأ من الأطراف قبل العواصم، وأن الجنوب السوري ليس هامشًا يمكن إدارته لاحقًا، بل بوابة استقرار أو فوضى لكل الجوار.
لكن .. . شبكات تهريب المخدرات أو الأسلحة أو حتى المسلحين لا تعمل بعشوائية، ولا تُرسل الشحنات كهدايا أو مبادرات فردية ولا هي جمعيات خيرية ، كل عملية تهريب تقف خلفها ثلاث حلقات واضحة: ممول، ناقل، ومستقبل ، وجود السلاح يعني وجود من يدفع، ووجود المخدرات يعني وجود من يخطط للتوزيع، ووجود المسلحين يعني وجود أهداف تتجاوز مجرد العبور ، وهذا يتطلب قطع رؤوس الأفاعي وهرسها حتى يموت الذيل هناك ..
الخلاصة أن ما يحدث على الحدود الأردنية – السورية اليوم ليس حدثًا عابرًا، بل إنذار مبكر:
إما أن تنجح سوريا في ضبط جغرافيتها الأمنية،
أو سيستمر الجوار في دفع ثمن مرحلة لم تُحسم بعد.