facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




منسف "عجاج" ما ينفع الأردنية


محمود الدباس - أبو الليث
25-12-2025 01:26 PM

قبل أن نختلف على اللحم والدجاج.. دعونا نتفق أولاً على شيءٍ أبسط.. على هذا الصمت الثقيل.. الذي يسكن البيوت مع آخر الشهر.. على العيون التي تُحصي الأيام.. قبل أن تُحصي الدنانير.. على موائد تُرتَّب بحُب خجول.. وتُقدَّم باعتذارٍ غير منطوق.. هناك حيث لا يكون الطعام قضية.. بل الإحساس.. وحيث لا تُقاس الكرامة بما وُضع في الطنجرة.. بل بما لم ينكسر في القلب.. ومن هناك تماماً تبدأ الحكاية..

منسف "عجاج" ما ينفع أردنية.. بدنا منسف باللحمة البلدية.. جملة قيلت على سبيل المزاح.. ثم تحولت إلى سكينٍ بارد يُغرس في خاصرة البيوت دون أن ينتبه أحد.. أغنية خفيفة اللسان.. ثقيلة الأثر.. تتسلل إلى المجالس.. وإلى أفواه الأطفال.. وتستقر في قلوبٍ أنهكها العوز أكثر مما أنهكها التعب..

المنسف لم يكن يوماً مجرد لحمٍ وجميد.. كان معنى.. وكان كرامة مائدة.. وكان رسالة محبة.. وحين يتحول هذا المعنى إلى أداة معايرة.. نكون قد ذبحنا الروح قبل الذبيحة.. فهل المشكلة حقاً في الدجاج؟!.. أم في قسوة قلوبٍ لا ترى أبعد من طبقها؟!..

نعيش زمناً يُطلب فيه من موظف.. راتبه لا يتجاوز 350 ديناراً.. أن ينافس صور الولائم على الشاشات.. وأن يُرضي أذواقاً.. لا تعرف من الواقع إلا اسمه.. 50 ديناراً لحم منسف.. تعني فاتورة كهرباء وماء وتدفئة.. أو إيجار بيت.. أو دواء طفل.. ومع ذلك يُطالَب أن يصمت.. كي لا يُتهم بأن منسفه لا يليق بالأردنية.. يا للسخرية الموجعة..

الأقسى من الجملة.. وقعها حين يرددها طفلٌ لا يرى اللحم إلا في المناسبات.. وحين يسمعها أبٌ يعرف عجزه جيداً.. لكنه لا يملك ما يدافع به عن كرامته أمام أطفاله.. ماذا نقول لهؤلاء؟!.. اصبروا.. فالأغنية أقوى منكم؟!.. أم ابتسموا.. فالاستهزاء صار ترنداً؟!..

الكلمات ليست بريئة.. بعض الكلمات تجرح أكثر من السكاكين.. وبعض الضحك يترك ندوباً لا تُرى.. حين نستهين بلقمة غيرنا.. نحن لا نضحك.. نحن نكسر.. نكسر خاطراً.. ونكسر معنى التراحم الذي طالما تباهينا به..

رفقاً ببعضنا.. فالفقر ليس عيباً.. والقدرة ليست فضلاً.. والإنسان لا يُقاس بما في صحنه.. بل بما في قلبه.. وإن كانت الأردنية تُختصر عند البعض بنوع اللحم.. فالمشكلة ليست في المنسف.. بل في الفهم.. وفي القسوة.. وفي غياب الخجل..

كفّوا عن ترديد ما يُوجع.. ليس كل ما يُضحك يُقال.. وليس كل ما يُقال يُغفَر.. فرب كلمةٍ عابرة.. صنعت في بيتٍ فقير حزناً مقيماً.. ورب صمتٍ كان أرحم ألف مرة من أغنية..

فإن كان مرددو هذه الأغنية لا يعلمون وجع أولئك الآباء.. فهذه مصيبة.. وإن كانوا يعلمون.. فهنا الطامة الكبرى.. لأن الجهل يُغتفر أحياناً.. أما القسوة المتعمدة.. فلا تُغتفر أبداً..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :