لماذا تعترف إسرائيل بالصومال كدولة؟
نور الدويري
29-12-2025 12:32 AM
من الواضح أن هنالك إعادة ضبط للسياسة الأمنية الإسرائيلية تقوم على محاور جديدة لإعادة التموضع في المنطقة، فمن يتابع النمط الاستراتيجي والسياسي لإسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى وحتى اليوم، يدرك أن إسرائيل لا تتحرك بردود أفعال عاطفية، بل ضمن سردية أمنية ثابتة قوامها إدارة الفوضى لا منعها، واستثمار الصراعات بدل حسمها ورغم انها استراتجية واضحة الا انها اخذت ملامح جديدة في السنوات الأخيرة .
منذ ما قبل عام 2023، بدا واضحًا أن إسرائيل تعمل على تحويل التهديدات الأمنية إلى أدوات سياسية. فالصمت الأمني الإسرائيلي الذي سبق طوفان الأقصى، لاسيما بعد تصريح قيادي حماس جبارين في تقرير صحفي لصالح الجزيرة يتبجج كيف سترد المقاومة في ذكرى شاليط القريبة، ويذكر البرغوثي علنا كيف تخيل وضعه ، وما تلاه من تحويل ملف الأسرى من قضية إنسانية إلى مظلة سياسية دفاعية، منح إسرائيل مبررًا لإعادة تشكيل المشهد في غزة، وفتح الباب أمام رد عسكري واسع، دون الاضطرار لحسم ملفات إقليمية أكبر دفعة واحدة، لاسيما في محاولة قلب الرأي العام التعاطف مع غزه باثارة حرب التجويع في مناوره لإظهار تخلف حماس عن إيجاد حل لانهاء مأساة غزة! .
في المقابل، اعتمدت إسرائيل سياسة المواربة الاستراتيجية في ملفات أكثر خطورة، كحزب الله وسوريا وإيران، حيث سمح لها العمل الاستخباراتي البارد بدفع بعض هذه الملفات إلى الخلف سنوات إضافية، دون مواجهة مباشرة مكلفة.
ضمن هذه السردية نفسها، يأتي ملف الصومال.
فإسرائيل تدرك تمامًا أن اعترافها بـ"أرض الصومال" لا يغيّر شيئًا من الناحية القانونية الدولية، لكنها تعي في المقابل أن أثره النفسي والسياسي داخل الصومال بالغ الخطورة. فالاعتراف يشعل الانقسام، ويغذي صراعات القبائل والعصابات، ويفتح مساحة أوسع لـ"النار الباردة" داخل دولة هشة أصلًا.
هنا يبرز الدور الإثيوبي. فإثيوبيا، الحليف الاستراتيجي التقليدي لإسرائيل في القرن الإفريقي، تملك تاريخًا طويلًا من الطموحات داخل الصومال. ومع تصاعد الفوضى، يصبح التدخل الإثيوبي – المباشر أو غير المباشر – أكثر قابلية للتبرير تحت عناوين الأمن ومحاربة الإرهاب، وهو ما يخدم إسرائيل دون أن تضطر للتورط الميداني المباشر.
إسرائيل لا تتخذ قراراتها بدافع العصبية أو الارتجال، بل تربط كل خطوة بحسابات أمنية وجيوسياسية دقيقة. وهي تدرك أن بعض الملفات – كملف التهجير – لا تُدار بالشعارات أو السيناريوهات الفجّة، بل عبر تآكل تدريجي للبيئات السياسية والجغرافية، ودفع الأزمات من نقطة إلى أخرى.
وفي هذا السياق، لا يمكن فصل ما يجري في القرن الإفريقي عن إعادة رسم توازنات أوسع في المنطقة، تمتد آثارها لاحقًا إلى الجوار العربي، بما فيه الأردن…
وللحديث بقية.