مع كل منخفض جوي، تعود الأسئلة ذاتها بإلحاح أشد: أين الجاهزية الحكومية؟ وأين ما يُسمّى بـ«حكومة الميدان»؟ ولماذا يبدو المشهد في كل مرة وكأنه مفاجأة، رغم أن المطر لم يعد حدثًا استثنائيًا، بل اختبارًا متكررًا لقدرة الدولة على إدارة الأزمات.
ما خلّفته الأمطار الأخيرة لم يكن نتيجة قوة المنخفض بقدر ما كان انعكاسًا لبنية تحتية هشة، وتنفيذ ضعيف، وغياب حقيقي للمتابعة والتقييم والمحاسبة. البلديات، بآلياتها المحدودة وإمكاناتها المتواضعة، تُركت تواجه أزمة تتجاوز قدراتها، فيما غاب الحضور الحكومي الميداني الذي يفترض أن يكون في صدارة المشهد لا على هامشه.
الأصل في مثل هذه الظروف أن يتواجد رئيس الحكومة وفريقه الوزاري بين المحافظات، لا أن يُدار المشهد من المكاتب. فالأزمات لا تُعالج بالتصريحات، ولا تُخفف آثارها بالجولات الإعلامية، بل بالحضور الفعلي، واتخاذ القرار في الميدان، وتحمل المسؤولية أمام الناس.
وهنا يبرز السؤال الذي يفرض نفسه: أفلا ينظرون إلى الجيش؟.
الجيش الذي يثبت في كل أزمة أن الجاهزية ليست شعارًا، وأن التخطيط المسبق يصنع الفارق، وأن النزول إلى الميدان واجب لا خيار، وأن حماية الإنسان هي العنوان الأول لأي إدارة رشيدة.
المفارقة المؤلمة أن المواطن بات ينتظر المطر بفرح، لأنه رمز الخير والرزق، لكنه ينتظره أيضًا بخوفٍ حقيقي من شارع يغرق، أو نفق يتحول إلى مصيدة، أو بنية تحتية تنكشف هشاشتها مع أول اختبار. هذا الخوف لم تصنعه الطبيعة، بل صنعته سنوات من التراخي، وضعف التنفيذ، وغياب المحاسبة.
لقد عرّت الأمطار الأرقام، وأسقطت لافتات الإنجاز، وكشفت الفجوة بين ما يُعلن وما يُنفذ، وبين ما يُخطط له على الورق وما يصمد في الميدان.
والسؤال الذي لا يجوز القفز عنه: من يُحاسب؟ ومن يقيّم؟ ومن يتحمل مسؤولية ما يتكرر كل عام؟.
فالدولة لا تُدار بردّ الفعل، ولا تُقاس قوتها بكمّ البيانات، بل بقدرتها على الاستعداد، وسرعة الاستجابة، ووضوح المحاسبة. وإلى أن تصبح الميدان قاعدة لا استثناء، ستبقى الأمطار تفضح الخلل، وسيبقى المواطن يسأل: متى تتقدم حكومة الميدان الصفوف… لا البلديات وحدها؟