أمنيات وأوهام على أعتاب العام الجديد
أمل المشايخ
31-12-2025 12:39 AM
في كلّ عام تطالعنا البصَّارة بما سوف يكون، الكثيرون منّا تأخذهم مشاعر متلاطمة كالموج، كثير منها متناقض: رغبة بالمعرفة، فضول لاستباق الغيب، خوف ورهبة من القادم المجهول، و في كلّ مرّة تكذب البصّارة -التي لم تعد غجريّة ترمي الودع أو تقلب الفنجان؛ بل أصبحت إعلاميّة بكامل أناقتها، وزينتها، وطلاء أظافرها تنبش المجهول، وفي كلّ مرة تحدونا آمال عِذاب بالعام الجديد أن يكون القادم أفضل، وما يلوح في الأفق أجمل...
حين كنّا صغارًا كان يوجَّه لنا سؤال، تارة شفويًّا على سبيل المداعبة، وتارة يطرح في درس التّعبير:
لو أنَّ لك مصباح علاء الدّين، ماذا كنتَ تتمنّى؟ ماذا كنت ستطلبُ؟
اليوم تذكّرتُ السّؤال، وتذكّرت أنّ ما بين أيدينا منْ تكنلوجيا يفوقُ مصباحَ علاء الدّين وخادمه المارد؛ لو أنّني طلبتُ ألف كتاب دفعةً واحدة، أكان بوسع الماردِ أنْ يحضرها؟ ها إنّها محرّكات البحث تأتي بالكتاب والمعلومة قبلَ أنْ يرتدَّ إليكَ طرفُك، ولكنّني مذْ كنتُ صغيرةً إلى اليومِ ما زلتُ أسأل: لماذا كانَ السَّائل يطلبُ من المارد ثلاثَ أمنيات فقط؟ هل هو اعتراف بمحدوديّة قدرة المارد منْ حيث كنَّا نظنّ العكس؟ أم لقداسةٍ في الرّقم ثلاثة؟
لعلّ المارد – اليوم - سيجد نفسه قزمًا أمام جبال الرّغبات من البشر، لذا كانت ثلاثًا، علّق صديق
قلتُ: هذا تفسير مقنع، لذا منْ يومها اختفى علاء الدّين ومصباحُه وما زلنا نتمنّى ..
هي القناعة كما ربّانا أهلنا، قالتْ صديقة، قلتُ: لذا كنّا نفرحُ بفستان العيد، وحقيبة المدرسة الجديدة وعيديّة الجارّ التي لم تكنْ تتجاوزُ القروش الخمسة، وكبرنا بالخير والبركة، وما زلنا نقارنُ ونسألُ عنْ الفروق بين الأجيال: جيلٍ رضي بالقليل فأنتج الكثيرَ، وجيلٍ شبعَ منْ كلّ شيء وما زالَ ينتظرُ المزيدَ... سقى اللهُ أيامًا خلتْ!
شاكستْني صديقةٌ حين سألتْ: ولكنْ هل ما زالَ العرضُ ساريًا إلى الآن، وهلْ لو طلبت شيئًا من علاء الدّين ومصباحه – وربّما خدّام المصباحِ - سيلبّون؟ إذنْ سأطلبُ الكثيرَ .....
قلتُ: ما زال العرضُ ساريًا يا صديقتي على بابِ الكريمِ الوهّابِ دون علاءِ الدّين ومصباحِه وماردِه.
أردتُ أنْ أقولَ لأصدقائي: إنّ ما بينَ أيدينا يفوقُ ما كنّا نظنّه معجزةً، ومع ذلك نشعرُ أحيانًا أنّ مصباح علاء الدّين حلم؛ فما زلتُ أحبّ قصصَ الصّغارِ سماعًا وقراءةً وأحبّ الصّورَ الملوّنةَ، تلك التي تأخذُني إلى عوالمَ وراءَ البحورِ السّبعة، ووراءَ بلادِ أليس، ولكنّني أستشعرُ عظمةَ الماردِ الإلكتروني وما يستطيعُ أنْ يقومَ به اليوم، ولكنْ ثمّةَ أحلامٌ لأهلِنا في الخيام أنْ يكونَ لديهم سقفٌ ولحافٌ، هكذا قالت المرأةُ التي لمْ أرَ أجملَ منْ ضحكتِها ونظرةِ الأملِ في عينيها حينَ طبختْ مقلوبةً (كذّابة) بينما المطرُ يغرقُ الخيمةَ وقالتْ: إنْ شاء اللهُ في العام القادم سنطبخُ المقلوبةَ باللحمِ.
أمّا أنا فقد:
حلمتُ بمِصباحِ الأمانيّ
كانَ علاءُ الدينِ يبتسمُ إذْ أهدانيَ المِصباحَ
وكنتُ أدوْزنُ أمنياتي الثَّلاثَ
ثلاث؟
بلْ ليَ ألفُ أمنيّة
ربّتُّ على ظهرِ المصباحِ ...
تضوَّع مسكٌ كثيفٌ
ملأَ هذي الصَّحاري
وقبَّل كلَّ الحجيج
خرجَ ماردُ المصباحِ
ها إنَّكَ تخرجُ منْ بينِ المسكِ وتبتسم
أنا لا أمنياتِ لي
أيامُكم بشارة وأحلامُكم كالحقائقِ ماثلاتٌ أصدقائي الطّيبين.