أمنياتنا المشروعة في العام الجديد
فيصل تايه
31-12-2025 12:20 PM
في اللحظات الأخيرة من هذا العام ، نقف على تخوم الزمن ، لا لنحصي الأيام التي انقضت، بل لنقف مع أنفسنا أمام ما تركته تلك الأيام ، وما نأمل أن تحمله الأيام المقبلة من فرص وأمل ، هي لحظة انتقالية تختلط فيها الذاكرة بالتطلع ، ويعاد فيها ترتيب الأمنيات على هدوء ووعي لحاجة إنسانية ملحة في عالم يزداد اضطراباً .
ومن هنا، لا تبدو أمنيات العام الجديد مجرد كلمات متبادلة على وسائل التواصل، بقدر ما هي انعكاس صادق لما عاشه الناس خلال عام ثقيل الوطأة ، فرغم اختلاف الصياغات وتنوع التعبيرات، تكاد الأمنيات جميعها تلتقي عند جوهر واحد : الأمان ، أمان الإنسان، وأمان الأوطان، وأمان العالم الذي بدا، في العام المنصرم، أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
لقد بلغ العام الماضي ذروة تعقيده بانحسار الأمن والسلام على المستويات كافة، في ظل تصاعد الصراعات، وتعمق الأزمات، واتساع فجوة العدالة الإنسانية ، وكان المشهد الأشد قسوة ما تعرض له أهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية، من جرائم إبادة ومجازر مروعة ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فلم تكتف بسلب الحياة، بل طاردت الإنسان في أبسط حقوقه: الغذاء، الدواء، المأوى، وحتى الأمل ، في مأساة امتدادها تاريخي، لا يمحى بمرور الزمن، لكنها تزيد الإصرار على الصمود.
ورغم هذا المشهد القاتم، لم تتخل شعوب الأرض عن طقوس استقبال العام الجديد ، فبعضها احتفل بحثاً عن فرصة جديدة، وبعضها تمسك بالفرح بوصفه فعل مقاومة لا إنكاراً للواقع ، فزينت المدن وازدانت البيوت، ليس لأن الهموم زالت، بل لأن الإنسان، بطبيعته، يدرك أن الفرح لا يلغي الألم، لكنه يحد من سطوته، وأن التفاؤل خيار واع في مواجهة اليأس.
ان الاحتفال بالعام الجديد رسالة تقول إن الخير لا يزال ممكناً ، وإن الإنسان قادر على صناعة المعنى حتى في أقسى الظروف ، فالأشرار ينكمشون أمام الفرح، والخير يعلن حضوره حين تتسع القلوب، والفرح في مثل هذه اللحظات يكون طعنة في خاصرة الشر ، فقد اختلفت دوافع الفرح بين الشعوب ، فبعضها، كشعب سوريا الشقيقة ، يستقبل العام الجديد بشغف خاص، بعد عقود من القهر والقتل والظلم، متطلعاً إلى حياة تستحق أن تعاش ، فيما وقفت شعوب أخرى مثقلة بالأزمات الاقتصادية العالمية، وضيق العيش، وتحديات المستقبل، لكنها مع ذلك تمسكت بحقها في الأمل، لأن الحياة بلا تفاؤل جحيم لا يحتمل.
أما نحن، فقد حملت أمنياتنا ذاكرة غنية بالصور، صور تحولت إلى جزء حي من وعينا الجمعي، ازدحمت بالتحديات، طمرت فيها أحلام وأحباء، واحتفظت في ثناياها بحكايات لا تموت، ووصايا لا تمحى، مهما حاول المتربصون تشويهها أو طمسها، لتظل ذاكرتنا جسرا نحو الصمود والأمل ، وظلت أمنياتنا تتأرجح بين الأمل والتفاؤل والحذر، مستحضرة أحداثاً وتطورات شهدناها على مختلف المستويات ، فالذاكرة تأبى النسيان، لكنها لا تلغي القدرة على الصمود ، ومن هنا، تتعاظم أهمية تعزيز الجبهة الداخلية، والالتفات بوعي إلى أمن واستقرار وطننا، عبر خطاب وطني جامع، عقلاني، متوازن، يتسع لجميع فئات المجتمع، ويلتزم بثوابت العمل الوطني، ويؤمن بأن القرب المتساوي والاحترام المتبادل هما أساس الاستقرار الحقيقي.
وفي هذا السياق، نتمنى للأردن، وطننا العزيز، وللأردنيين جميعاً ، عاماً جديداً يفيض بالمحبة، وتتحقق فيه الأمنيات المشروعة، ويستمر فيه هذا الوطن واحة استقرار وسط إقليم وعالم مضطربين ، ونتوجه بأصدق الدعوات إلى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، وإلى العائلة الهاشمية الكريمة، بأن يمن الله عليهم بموفور الصحة والعافية، وأن يبقوا سنداً للوطن وركيزة لمسيرته بثبات وثقة نحو المستقبل.
ويبقى من واجب الامتنان أن نحمد الله على وطن آمن مستقر، وسط زحمة أحداث متلاحقة، وأن نتمسك بفرح صادق، لأن الفرح تعبير عن محبتنا لأنفسنا، والمحبة هي المدخل الحقيقي للوئام والسلام بين الناس، لتبقى الألفة سيدة المشهد بين أبناء الوطن الواحد في كل وقت وحين.
وأخيرًا، فلنتفاءل بالعام الجديد إكراماً لأنفسنا، وإكراماً لأجيالنا القادمة، ولنبق الأمل حياً بزوال الهم والغم عن أهلنا في غزة، وعن الشعب الفلسطيني الصابر، وأن يعم السلام أرض السلام ، ولنجعل من هذه السنة الجديدة صفحة مشرقة، يكتب فيها الإنسان قيم المحبة، ويجدد فيها الوطن عهد الأمان، وتشرق فيه الإنسانية من جديد، متجاوزة الألم، متغلبة على الظلم، مستلهمة من الصمود قوة، ومن التفاؤل شجاعة، حتى تصبح كل أمنية حقيقة، وكل حلم واقعًا.
مبتهلين إلى الله العلي القدير أن يكون هذا العام عام محبة وأمان، تتحقق فيه الأمنيات، وتُستعاد فيه إنسانية العالم.
وكل عام ونفوسكم عامرة بالسكينة
وكل عام وأنتم بألف خير