جردة حساب 2025 من زاوية أردنية
مالك العثامنة
01-01-2026 12:46 AM
لم يدخل عام 2025 بهدوء، لا في الإقليم ولا في الوعي الأردني. في الساعات الأولى من صباح الأول من يناير 2025، كانت شاشات الأخبار تنقل صور غارات جديدة على غزة، وسقوط ضحايا، في مشهد بدا وكأنه يعلن منذ اللحظة الأولى أن هذا العام لن يكون صفحة جديدة، بل امتدادا مفتوحا لأثقال قديمة لم تجد طريقها إلى الحل، بينما كان العالم يعد ثواني الانتقال إلى عام جديد، كانت المنطقة تدخل عاما آخر من الاختبار، اختبار الاستقرار، واختبار القدرة على الاحتمال، واختبار موقع الأردن وسط عاصفة لا تهدأ.
منذ ذلك الأسبوع الأول، كان واضحا أن السياسة في الإقليم ستُدار تحت ضغط النار لا تحت سقف التسويات، غزة، والضفة، وجنوب لبنان، والبحر الأحمر، كلها ساحات مفتوحة، وكلها قريبة بما يكفي لتجعل الأردن في قلب الحسابات لا على هامشها، في عام كهذا، لم يكن المطلوب من الدبلوماسية الأردنية أن ترفع صوتها، بل أن ترفع منسوب اتزانها، خطاب محسوب، تحرك هادئ، وتمسك بدور عقلاني لا يزايد ولا ينسحب، بل يدير الممكن في زمن تقل فيه الخيارات.
هذا السياق الخارجي القاسي أعاد توجيه البوصلة إلى الداخل بشكل أكثر وضوحا، خلال 2025، بدا أن عقل الدولة الأردنية حسم قناعته أكثر من أي وقت مضى بأن تقوية الدولة ليست شعارا سياسيا، بل شرط بقاء، دولة قادرة على اتخاذ القرار، وحماية القانون، وضبط الإيقاع المؤسسي، وإدارة الاقتصاد تحت الضغط، هي خط الدفاع الأول في مواجهة إقليم لا يمنح أحدا رفاهية الانتظار، لم يعد الرهان على تغير الخارج، بل على صلابة الداخل وقدرته على امتصاص الصدمات.
من هنا يمكن فهم الإصرار على المضي في مسار التحديث الاقتصادي، رغم كل ما يحيط بالمنطقة من اضطراب. في 2025، لم يعد البرنامج مجرد عناوين أو وعود بعيدة، بل مجموعة مسارات تحركت بوتيرة متفاوتة، لكنها ثابتة: مشاريع في الطاقة، والنقل، والمياه، والصناعة، والسياحة، والخدمات الرقمية، استمرت، بعضها بصمت، وبعضها بضجيج أقل مما اعتدناه.
النمو الذي تحقق لم يكن قفزة كبيرة، لكنه كان نموا ملموسا في مؤشرات أساسية، كتحسن نسبي في الاستثمار، واستقرار قطاعات حيوية، وقدرة أفضل على ضبط المالية العامة مقارنة بأعوام سابقة أشد قسوة.
وفي السياق ذاته، يمكن قراءة مشروع المدينة الجديدة لا كمفاجأة، بل كاستجابة لتراكمات طويلة؛ سنوات من الضغط على المدن، وتآكل الطبقة الوسطى، وارتفاع كلفة السكن، واختلال العلاقة بين العمل والخدمات، جعلت من هذا المشروع محاولة لإعادة تنظيم المشهد الحضري والاجتماعي. المدينة الجديدة ليست توسعا عمرانيا فقط، بل جزء من رؤية أوسع تعيد التفكير في شكل النمو، وفي كيفية توزيع الفرص، وفي دور الدولة كمخطط لا كمسكن مؤقت للأزمات.
إلى جانب ذلك، برزت خلال العام محاولات جدية لتحسين بيئة الأعمال، وتخفيف بعض التشوهات، وتوسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية، حتى وإن بقي أثرها محدودا في حياة الناس اليومية، لكن الرسالة كانت واضحة: التحديث الاقتصادي ليس وصفة سريعة، بل مسار تراكمي يحتاج وقتا وصبرا، ويقاس بالاتجاه أكثر مما يقاس بالنتائج الآنية.
في نهاية المطاف، لم يكن 2025 عاما سهلا على الأردن، لكنه كان عاما واضح الاتجاه.
لم تحل فيه الأزمات الإقليمية، ولم تختفِ الضغوط، لكن خيار الدولة بات أكثر وضوحا: بتقوية الداخل، وتثبيت الاقتصاد، وإدارة السياسة بعقل بارد.
قد لا يكون الأردن خرج من الإقليم المضطرب، لكنه أنهى 2025 وهو أكثر وضوحا مع نفسه؛ يعرف أين يقف، وكيف يمشي، وبأي كلفة يريد أن يحمي توازنه.
"الغد"