عام جديد في عهدة القبطان الأميركي
فهد الخيطان
01-01-2026 12:50 AM
السفينة تبحر، لكن قبطانها "الأميركي" لا يعرف طريقها وفي أي ميناء سترسو. هذا هو حال القرية الكونية في مطلع عام جديد، عام مثقل بحروب وصراعات أعوام سبقته، وطموحات وأمنيات لم تتحقق لملايين البشر حول العالم.
القبطان الأميركي لا يعطيك جوابا شافيا حين تسأله عن مآلات الحروب والأزمات العالمية. هل ستضرب واشنطن إيران مرة ثانية؟ الجواب على لسان ترامب محيّر: إيران ترغب باتفاق نووي جديد معنا وهذا شيء رائع، لكن إن هي عادت لتطوير برنامجها النووي سنضربها مرة ثانية. "سنرى ما سيحدث"، أكثر عبارة تُرَدَّد على لسانه.
حرب أوروبا الكبرى بين أوكرانيا وروسيا ما زالت مشتعلة. كل المواعيد التي ضربها السيد الأميركي لنهاية وشيكة تحطمت بفعل تعارض المصالح والأهداف. قمة في نهاية العام الماضي، واتصالات تلفونية لا تتوقف مع الكرملين، وفي النهاية لا مواعيد نهائية ولا اتفاقيات منجزة، فنَدخل العام الجديد مع تصعيد كبير على الجبهات، بعدما كشف الجانب الروسي عن محاولة أوكرانية لاستهداف مقر الزعيم بوتين.
العام الجديد في غزة لا يحمل غير الوعود بولوج المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار. لقاء ترامب ونتنياهو لم يقدم خلاصات يمكن الركون إليها. المقلق أن يكون الثعلب الإسرائيلي قد نجح في خداع ترامب مرة ثانية وعاشرة، ليغدو وقف إطلاق النار هو نهاية الحرب في غزة، ويبقى القطاع مشطورا لقسمين، اليد الطولى فيه لجيش الاحتلال، وإعادة الإعمار مقصورة على مناطق فارغة من السكان، يحكمها الاحتلال. لا ضمانات بنهاية المأساة الإنسانية لأهل القطاع في العام الجديد، ولا أمل باستقرار في الضفة الغربية.
القبطان متقلب المزاج وحاد الطباع، يقيس السياسة بميزان الاعتبارات الشخصية. اليوم أنت قائد رائع؛ كنت صينيا أو كنديا أو روسيا، وغدا تتحول إلى عدو يقذفك بأشنع الأوصاف.
لا يهم ما تتركه هذه التصريحات والمواقف من آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي والأسواق. العام المنصرم "2025" يعطيك مثالا على ما تحمله الأيام القادمة من اضطرابات محتملة في أسواق الأسهم والعملات والمعادن والنفط، وأسعار السلع.
من يغامر اليوم بالرهان على سعر الذهب أو الفضة بعد شهرين؟ من يعقد صفقة تجارية ولا يتوقع مضاعفة الرسوم الجمركية قبل استلامها؟ القبطان لا يسأل بحال المسافرين على متن سفينته. أوروبا؛ الحليف التاريخي، تعيش أسوأ كوابيسها في غياب الدليل والمرشد. تستقبل العام الجديد بين نارين، نار ترامب الذي تخلى عن أمنها، ونار بوتين الذي يهدد استقرارها واقتصادها. الجارة اللاتينية لأميركا الشمالية، تخشى أن تداهمها السفينة العملاقة. فنزويلا في فوهة المدفع، بعد أن صُنِّف نظامها إرهابيا وفق التعريف الترامبي. المكسيك وكولومبيا ليستا بعيدتين عن الاستهداف.
إستراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب، وضعت القارة كلها على قائمة الأولويات والمصالح الأميركية. على الدوام كانت الولايات المتحدة الأميركية قوة مهيمنة في عالم ما بعد الأقطاب، لكن لم يسبق أن كان لرئيس أميركي هذا التأثير المباشر في حياة سكان المعمورة دون استثناء.
حياة الملايين صارت مرتبطة بتعليقاته وتغريداته، وأوامره التنفيذية، ومصير دول بأكملها مرهون بمزاج الرئيس القبطان والتجارة العالمية وأبحاث الذكاء الاصطناعي، وهوية المواليد الجدد في أميركا بيده. القبطان يبحر في عام جديد، العالم من خلفه، ينتظر بفارغ الصبر أن يعرف محطات الرحلة، ومستقرها الأخير.
"الغد"