دمج البلديات – فصل البلديات بين الفساد والإصلاح * فريد ناصيف
23-11-2011 06:23 PM
ما نراه ونشاهده هذه الايام ليس بأقل من فساد أكثره ضررا ، ذلك الذى طفى ، وهذا الذي يطفو على سطح وزارة الشؤون البلدية . فالأبلغ في تصرفات وزارة الشؤون البلدية أنها لم تكن في يوم من الايام تؤمن بالوزارة المؤسسة ، وبالعمل الوزاري المؤسسي . فقد بدأت كبائرها في دمج ما مجموعه 354 مجلسا قرويا مع 271 مجلسا بلديا لتنتج ما مجموعه 329 مجلسا بلديا ، واستمرت كبائرها لتدمج ال 329 مجلسا بلديا ب 99 مجلسا بلديا ، واستمر هذا العدد الى فترة قريبة ، ليتم الفصل ، ويزداد العدد الى أكثر من 200 مجلس بلدي .
وهنا يثور التساؤل التالي :- " لماذا هذا الدمج ؟ وعلى أي أساس تم ؟؟ قيل ، بأن هناك استرتيجية ، وهذه الإستراتيجيه تقوم على أر كان ثلاثة . "
إداري :- بغية تحسين اداء البلديات وخدماتها ، وتجميع امكانياتها ، وتمكينها من زيادة مواردها ، وتقليص ديونها ، وإخضاعها بشكل اقوى لرقابة الوزارة ، وبناء عليه ، قامت وزارة البلديات خلال شهرين بالدمج ، كما قامت بتعيين رؤساء المجالس ، وكذلك اعضائها .
وتشريعي :- لينسجم الأمر مع ما تمّ من إعادة ترتيب وهيكلة جديدة .
ومالي :- ليحل المشكلات المادية التي تعاني منها المجالس البلدية .
هذا ولأننا وصفنا تلك العملية ، " أي عملية الدمج " بواحدة من كبائر وزارة الشؤون البلدية ، فلماذا هي كذلك ؟؟
هي كذلك ، لأنها حلّت مجالس بلدية منتخبة تشكلت وفقا لأسلوب الإنتخاب ، وهو ما يتعارض حتما مع التوجه الديمقراطي ، وإنتهاكا لأسسه ، وتناقضا مع ما نادت وتنادي به الحكومات المتعاقبة من أن " الديمقراطية أولا " ، وهي كذلك ، لأن حل المجالس البلدية داس ودهس كل الإعتبارات والرغبات الشعبية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية ، وهي كذلك ، لأن الدمج مسيس بإمتياز، يستهدف إبعاد بعض القوى السياسية والعشائرية المؤثرة في الساحة الاردنية ، وهي كذلك ، لأنها خالفت ما يأمر به قانون البلديات في هذا المجال ، وهي كذلك ، لأنها لم تستطع ان تذهب باتجاه الدمج المفيد ، وهي كذلك ، لأنها فاقدة للثقة بالكفاءات الأردنية .
هذا ، وعندما أحسّت تلك الوزارة بذنبها ، إندفعت لتعالج الخطأ بخطأ أكبر ، فأهدرت المال العام ، عندما أعادت تعيين رؤساء وموظفي البلديات التي تمّ حلها ودمجها أعضاء في البلديات الجديدة ، و صرفت رواتب لهم ، وردّت إليهم كامل امتيازاتهم . فعلى سبيل المثال ، قامت الوزارة بتثبيت المهندس ماهر ابو السمن " مؤيد الدمج " رئيسا لبلدية السلط ، واستبعدت الدكتور نبيل الكوفحي " معارض الدمج " عن رئاسة بلدية اربد . فكيف يمكن ان نفسر هذا ؟ ألا يقود الى المساءلة ؟؟
ولأن وزارة الشئوون البلدية لا تحيط بما يعنيه الإستقرار التشريعي ، ولا تعي ما يرتبه المساس بهذا الإستقرار من ضرر يلحق بحقوق وواجبات المواطنين ، ومن فقدان الثقه بسلامة النظام القانوني الاردني في مجموعه ، وعدم الاحترام اللازم له ، فقد أقدمت على كبيرة من كبائر أخرى ألا وهي :- إلغاء قرارات إستحداث البلديات ، وبدء تقديم طلبات الفصل إعتبارا من الثلاثاء 15/11/2011 .
ومما يؤكد أن هذا التصرف من الكبائر التي ترتكبها وزارة البديات ، نسأل وزير البلديات على اعتبار " أنه مع الدمج ، ويرغب العودة الى الدمج " ما الفرق بين البارحة واليوم ؟ البارحة ، خالفت وزارة البلديات بشكل صريح قانون البلديات ، وانفرد وزيرها بحل كامل البلديات وإعادة دمجها ، مع ما ترتب على هذا من سوء استعمال للسطة ، وإستغلال للسلطة يؤاخذ عليها ، ويفتح باب الخصومة مع أكثر من طرف ، واليوم نعمل على إلزام الشعب الأردني بتجديد طلب الرغبة بالفصل ، بحجة أن ما تقدموا به قبل أيام قليلة يخالف قانون البلديات " جريدة الرأي – الإثنين- 14-11-2011 " .
وهنا لا بدّ أن نضع بين يدي رئيس الحكومة ، فهم وزير البلديات الخاطىء والمغلوط للمادة الخامسة من قانون البلديات التي تتحدث عن الإحداث والدمج والفصل ، فالمادة المذكورة بيّنت الطريق الذي يجب أن يسلكه المواطنون في الإحداث والدمج والفصل بما يلي :-
أولا ) رغبة أكثرية سكان البلدة البالغين أكثر من 5000 نسمة وبلديتهم قائمة قبل 2001 .
ثانيا ) يقدم فريق عنهم عريضة تبين هذه الرغبة للحاكم الإداري .
ثالثا ) للتثبت من هذه الرغبة يعين الوزير لجنة .
وهنا نتساءل عن :- كم عدد الفريق الذي سيقدم العريضة ويوقع عليها ؟ هل هو العدد الذي يريده الوزير أي 51% من ال 5000 ؟ هل هذا هو ما تعنيه عبارة " يقدم فريق عنهم عريضة تبين هذه الرغبة " ؟ بالتأكيد لا تعني ذلك ، إنها تعني مجموعة صغيرة ، حتما أكثر من واحد ، ولا يوجد في النص ما يلزم مقدمي العريضة أن يبلغوا رقما كبيرا كما يرغب ويريد الوزير (51%( ، ونستطيع أن نضيف إلى ما تقدم ، أننا لو اعتمدنا رقم ال 51% ليوقع على العريضة ، فإننا لسنا بحاجة إلى المرحلة الثالثة التي تتطلب تشكيل لجنة للتثبت من وجود أغلبية ترغب في الإحداث أو الدمج أو الفصل . نعتقد ان التفسير الخاطىء السالف الذكر، سيؤدي إلى تأخير الإنتخابات البلدية ، وسيدفع المواطنين للعودة إلى المزيد من الإحتجاج ، وسيبقى الحراك كما هو على حاله إن لم يكثر ، وسيزداد ضغط القواعد الإنتخابية على النواب ، مما قد يذهب بالحكومة إلى المجهول ، خصوصا وأنها على أبواب الثقة .
وعليه ، وفي ضوء الفهم الخاطىء للنص سالف الذكر ، نتساءل :-
أي سلطة هذه ؟ وأي مصلحة عامة تحافظ عليها هذه الحكومة ؟ كيف يرضى دولة الرئيس مثل هذا التصرف مع الأردنيين بقراهم ومدنهم ؟ هل ما زالت وزارة البديات “ مزرعة “ للوزير يملكها و يديرها ويتصرف بكافة ما يرتبط ويتعلق بها ، بإرادته المنفردة ؟؟
علينا ان نرفع الصوت عاليا ، أن الدمج لمجموع البلديات لم يكن مشروعا ، خالف بشكل بيّن وصريح قانون البلديات ، خالف كل الذي أنتجته مؤتمرات الإدارة المحلية ، وأفصحت عنه المنظمات الدولية من معايير وأسس وركائز ، أثبتت كافة الدراسات والأبحاث أن سلبيات الدمج تفوق كثيرا إيجابياته ، وبالتالي فإن الفصل جاء ليصحح خطأ ارتكب ، وهو أبسط وأهون ما يجب عمله ، وننصح " مؤيدي الدمج " إن كانوا من الناصحين لله ولرسوله أن يصمتوا .
** باحث في القانون العام