facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن والاقتصاد K: تحذيرات الفدرالي وفرص التعافي


د. محمد إبراهيم نجيب
14-12-2025 10:30 PM

مع تعافي العالم من جائحة كورونا وتكيف الاقتصادات مع ارتفاع أسعار الفائدة، لم يعد النمو الاقتصادي موجة واحدة ترفع جميع القطاعات. فقد أصبح مفهوم «الاقتصاد على شكل K»، الذي أشار إليه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، واقعاً ملموساً في الأردن، حيث تتقدم بعض القطاعات والأسر بسرعة بينما تتخلف أخرى، ما يعكس تفاوتاً واضحاً في مسارات التعافي الاقتصادي.

تشير تحليلات الاقتصاد الأردني إلى ذراعي حرف K في التعافي: الفرع العلوي يشمل قطاعات التكنولوجيا والتمويل والصناعات المتقدمة، التي استفادت من ارتفاع الأجور، وزيادة أسعار الأسهم، وتسارع التحول الرقمي منذ عام 2020. أما الفرع السفلي، فيضم السياحة، والتجزئة، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والعمال ذوي المهارات المحدودة، الذين يواجهون ركوداً وفقدان وظائف وضغوطاً تضخمية متزايدة. ويزيد البعد الجغرافي من حدة هذا التباين، إذ تتعافى المراكز الحضرية الكبرى أسرع من المدن الصغيرة والمناطق الريفية.

يراقب الاحتياطي الفيدرالي هذه الفوارق عن كثب لأنها تمثل تحدياً لمهمته في تحقيق التوظيف الكامل واستقرار الأسعار. فرغم تحسن مؤشرات البطالة الوطنية، تتعافى الفئات المهمشة والأسر منخفضة الدخل بوتيرة أبطأ بكثير، فيما يفاقم التضخم المشكلة، خصوصاً لدى الأسر التي تنفق غالبية دخلها على الغذاء والطاقة والسكن. وفي الوقت نفسه، تفيد فترات انخفاض أسعار الفائدة وارتفاع أسعار الأصول الأسر الأكثر ثراءً، ما يزيد الفجوة بين الفرعين العلوي والسفلي.

تتعدد أسباب هذا التباين، بدءا من الاعتماد السريع على التحول الرقمي التي أمدت قطاعات التكنولوجيا والتمويل بالنمو، إلى السياسات النقدية التوسعية التي أفادت أصحاب الأصول بشكل غير متوازن. كما حولت العولمة الطلب نحو العمالة عالية المهارات، تاركة القطاعات الأقل مهارة في وضع هش. وكشفت الجائحة عن نقاط ضعف كبيرة في الضيافة والسياحة والشركات الصغيرة والمتوسطة، بينما فرضت زيادات أسعار الفائدة الأخيرة ضغوطاً إضافية على الأسر والشركات الصغيرة، مما عمّق مسارات التعافي المتباينة.

في الأردن، تتسارع القطاعات الرقمية والمالية، بينما يواصل قطاع السياحة والنقل والمطاعم والشركات الصغيرة والمتوسطة مواجهة صعوبات تعكس بطئاً في التعافي ونقص السيولة. ويظهر هذا التباين بوضوح في سوق العمل، حيث يتزايد الطلب على المهارات في التكنولوجيا والتمويل، في حين تظل البطالة مرتفعة بين الشباب والنساء والخريجين في تخصصات أقل توافقاً مع احتياجات السوق. وتعكس ميزانيات الأسر هذا الانقسام أيضاً، إذ تنفق العائلات منخفضة ومتوسطة الدخل جزءاً كبيراً من دخلها على الضروريات، مما يجعلها شديدة التأثر بالتضخم.

ويتجلى أثر هذا التباين كذلك على مستوى الجغرافيا الاقتصادية، حيث تتركز الأنشطة الاقتصادية في المدن الكبرى مثل عمان وإربد، بينما تتخلف المحافظات الأصغر بسبب ضعف البنية التحتية وقلة الفرص. وتعد الشركات الصغيرة والمتوسطة، العمود الفقري للاقتصاد الأردني، الأكثر تعرضاً لهذه الضغوط، ما يجعلها جزءاً أساسياً من الذراع السفلي للتعافي في "اقتصاد K"، وفي هذا الإطار تحافظ السياسة النقدية الأردنية، المرتبطة بأسعار الفائدة الأمريكية، على استقرار العملة، لكنها تزيد في الوقت نفسه من تكلفة الاقتراض للأسر والشركات، مما يبطئ تعافي القطاعات الأكثر ضعفاً.

تشير هذه المؤشرات إلى وجود تحديات هيكلية في الاقتصاد الأردني، تتجاوز مجرد تقلبات مؤقتة، وتحتاج إلى سياسات مدروسة لتحقيق تعافي مستدام وشامل. ومع التخطيط السليم، يوفر هذا الواقع خارطة عمل واضحة لصناع القرار: دعم القطاعات التي تحتاج إلى تعزيز، تقوية الشركات الصغيرة والمتوسطة، مواءمة التعليم مع متطلبات سوق العمل، وتخفيف أثر التضخم على الأسر. من خلال هذه الإجراءات، يمكن تحويل التحديات الحالية إلى فرص حقيقية للنمو الشامل والمستدام، بما يعزز قدرة الاقتصاد على مواجهة المستقبل بثقة واستقرار.

في النهاية، "الاقتصاد K" ليس مجرد مصطلح تقني، بل عدسة لفهم الواقع المتباين للاقتصادات الحديثة. وفي الأردن، تتجلى آثاره بوضوح: الفجوات القطاعية، والنمو الحضري المركز، والأسر الضعيفة، والشركات المتعثرة تمثل الفرع السفلي، بينما يقود الفرع العلوي قطاعات التكنولوجيا والتمويل.

إدراك هذا النمط هو الخطوة الأولى نحو تدخل فعّال، ومع سياسات شاملة وحاسمة، يمكن للأردن ضمان أن يكون النمو شاملاً ويحول التحديات الهيكلية إلى فرص لتحقيق الاستقرار والازدهار على المدى الطويل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :