ما يحدث في الاردن هذه الايام يندرج تحت باب صدق او لا تصدق ، فالدولة الاردنية الحارسة التي بدات مع بواكير القرن الماضي بداية بوليسية بحتة يوم كان اثنان من الفرسان يقودان قرية بكاملها ، بعد ان ياكلوا قراها ،ويتلفوا بعض ممتلكاتها يومها كان حبس الدولة وسجنها وضربها شرف للرجال ، جنحت هذه الدولة نحو الاعتدال بعد تغير الدنيا كلها ومولد الدساتير وانتشار الوعي بين السكان فاصبحت تتمظهر بالقانون والتسامح للمحافظة على سمعتها، فيما تخفي عصاها الغليظة تحت ابطها ،بحجة المحافظة على هيبة الدولة ورهبتها .

كانت جرائم السرقات والاحتيال والمشاجرات وجرائم القتل النادرة يضاف لها بعض المسيرات السلمية المطالبة بعودة فلسطين او العودة اليها هي التحديات الامنية التي يجري التخطيط لمواجهتها ، لكن يبدو ان الربيع العربي فعل فعله في هذه الدولة قبل ان يلج اليها ، فقد تغير نمط التحديات الامنية لتجد الدولة نفسها في مواجهة ظاهرة تحدي امني من نوع جديد يتمثل في المطالب الجماهيرية المنادية بالاصلاح والتغيير ،هذا الطاريء كشف سوأة ثلاث حكومات تعاقبت على البلد في عام واحد كانت تتخبط بين استعمال العصا الغليظة او الاستعانة باصدقاء السوء من البلطجية والزعران، ويبدو انها استقرت اخيرا على ترك المقادير تجري في اعنتها ، فيما يعرف بالفوضى الخلاقة، وكانت اولى نتائجها عملية الفلتان الامني الماثلة امام ناظرينا ،فقد اصبحت جرائم قطع الطريق بالاسلحة النارية لساعات في رابعة النهار ، وتكسير المرافق العامة ومركبات الشرطة اذا وقع حادث سير او اخطأ رجل امن او تعادل الفيصلي مع الوحدات او تاخر مولد طفل في احد المستشفيات ، او تعثر بغلة في العراق او سوريا او ليبيا او ...او.

اذا اراد متابع عن بعد ان يعرف استراتيجية هذه الدولة لمواجهة اعمال العنف غير المشروع التي تستهدف الممتلكات العامة والخاصة واثارة النعرات والفتن التي ترقى الى جرائم الجنايات لا يرى غير تبويس اللحى وتسديد فواتير للمؤلفة قلوبهم تتم تحت الطاولة وفوقها ،وتسيد نواب وشيوخ ووزراء للمشاهد العشائرية والطبطبة وتسكين المشكلة ريثما تثور اخرى وما كان يجب ان يكون لكل هؤلاء دور في دولة القانون وعلى حساب انفاذ القانون ، في ظل غياب جهات ما كان لها ان تغيب، مهما كان الثمن طالما ان سيادة القانون تنتهك .

نتمنى ان لا تكون هذه الفوضى مقصودة لصرف الانتباه ، ومن اجل خلق حالة شعبية مطالبة بالعودة الى الاحكام العرفية .

هناك خلط رسمي وشعبي بين المطالب الشرعية للاصلاح ، وبين الفوضى المطالبة بخراب البيوت ، وهذه الدولة التي كانت تباهي العالم بقوتها وامنها وبنت سمعة جعلتها في مقدمة الدول التي يستعان بها لحفظ السلام الدولي ، مطالبة اكثر من اي وقت مضى لمراجعة الامور مراجعة شاملة وايجاد وعي رسمي وشعبي يوازن بين الحرية والفوضى ، يتوسع في مجالات الحريات والحقوق التي كفلها الدستور والقانون ، وبذات الوقت يحد من الفوضى بالحرص على انفاذ القانون بامانة، فوضع الندى (الكرم) في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى كما يقول المتنبي .