تصريحات العريان حول اعتراف الإخوان المسلمين بإسرائيل تثير زوبعة في مصر
25-10-2007 03:00 AM
عمون – عاطف الفراية - قال الدكتور عصام العريان القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين أنه في حال وصول الحزب المرتقب للإخوان إلى السلطة في مصر فإنه سوف يتعامل "بواقعية سياسية" مع إسرائيل، وهو ما يفسر ما نصّت عليه الصيغة المتداولة لبرنامج الحزب التي تؤكد على احترام الحزب لكافة الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعتها مصر. غير أن العريان، مسئول المكتب السياسي للجماعة، شدّد في حديث هاتفي لإسلام أون لاين على حق الحزب في السعي لمراجعة أو تعديل الاتفاقية في حال وجود "رغبة شعبية" في ذلك، كما أكد على وجوب الفصل بين موقف الحزب من إسرائيل وموقف الجماعة منها.
وردًّا على سؤال لـ"إسلام أون لاين.نت" حول ما إذا كانت هذه الصيغة المتداولة لبرنامج الحزب تعني اعترافًا ضمنيًّا بإسرائيل المرتبطة مع مصر بمعاهدة سلام منذ 1979، قال العريان: "حزب الإخوان سيتعامل مع إسرائيل عبر واقعية سياسية تتسق مع الواقع القائم الذي يرى أن إسرائيل دولة قائمة ولها وجود على أرض الواقع، وبالتالي سيتعامل مع الواقع السياسي الذي تفرضه هذه الظروف".
وحول ما إذا كان الحزب سيسعى في حال وصوله للحكم إلى إلغاء اتفاقية كامب ديفيد التي تُعَدّ اتفاق الإطار لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، قال العريان: "لن يحدث ذلك، بل سيحترم الحزب كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية بما فيها كامب ديفيد".
وأضاف قائلاً: "في حال وجود رغبة شعبية في إجراء أي تعديل سيتم ذلك وفقًا للقواعد الدولية التي تسمح لكل طرف بتحسين أوضاعه والاستفادة القصوى من أي معاهدات".
وتطرقت الصيغة شبه النهائية لبرنامج حزب الإخوان التي نشرتها "إسلام أون لاين.نت" إلى تمسك الحزب بـ"مبدأ احترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية". وأشار البرنامج أيضًا إلى أن القانون الدولي وكذلك المعاهدات الدولية تتيح جميعها "وسائل للتحقق من مدى التزام الأطراف بالمعاهدات، كما تتيح طرق مراجعتها إذا ما رأى أحد أطرافها أن ثمة غبنًا بالمعاهدة يضر بموقفه أو وضعه الأمني".
واعتبر العريان ما جاء في الصيغة شبه النهائية "كاف" لمعالجة أي جدل حول موقف حزب الإخوان من معاهدة كامب ديفيد ولا يحتاج لمزيد من التوضيح.
وقال: "لن تتغير الصيغة الحالية في الصورة النهائية لبرنامج حزب الإخوان فيما يتعلق بمعاهدات كامب ديفيد، حيث يحترم الحزب في حال وصوله إلى الحكم في أي وقت الاتفاقيات الدولية بما فيها كامب ديفيد، مثل كافة الاتفاقيات الدولية الأخرى التي وقعتها مصر مع الأطراف الدولية؛ لأنه ليس من المعقول أن يتراجع كل حزب يصل إلى السلطة عن الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات السابقة".
موقف الجماعة
وفصل العريان بين موقف جماعة الإخوان وموقف حزبها السياسي من هذه القضية، مشددًا على أن "للجماعة موقفًا ثابتًا من إسرائيل ككيان مغتصب".
وأوضح قائلاً: "الإخوان (الجماعة) يرون أن إسرائيل دول غير شرعية ووجودها جاء نتيجة استغلال فترة ضعف مرت بها الأمة العربية واستغلتها الصهيونية العالمية في إقامة دولة على أرض فلسطين بطريقة غير شرعية، كما ترى الجماعة أن وجود إسرائيل باطل، وأن ما بُنِي على باطل فهو باطل، ولا يمكن الاعتراف بها".
وحول ما إذا كانت الجماعة مستعدة للاعتراف بإسرائيل في حال إذا تم إبرام تسوية نهائية إسرائيلية فلسطينية، قال العريان: "في حال إقامة دولة فلسطينية وإعادتها للقدس وعودة اللاجئين وتفكيك المستوطنات وهذه مطالب القوى الفلسطينية بما فيها حركتا حماس والجهاد، فسيكون لكل حادث حديث؛ لأن ذلك غير ممكن أن يحدث على أرض الواقع في الوقت الراهن، وإلى أن يتم ذلك لن يكون هناك اعتراف من الجماعة بوجود إسرائيل".
وردًّا على سؤال بشأن تفسيره للتباين القائم بين موقف الحزب والجماعة من إسرائيل، علّق د. عصام العريان: "الحزب السياسي دائمًا يكون وضعه مختلفًا (عن جماعة غير سياسية)، ويتعامل مع المعطيات القائمة بواقعية، بل إنه عادة ما يختلف موقف الحزب نفسه وهو في المعارضة أو خارج السلطة عن موقفه وهو في السلطة، باعتبار أن السياسة هي فن التعامل مع الواقع؛ لذلك فلا يوجد هناك تباين، كما أننا نجد اليوم حكومات عربية لا تعترف بإسرائيل ومع ذلك تسمح لها بفتح مكاتب تجارية على أراضيها وترتبط معها بعلاقات ومصالح تجارية".
وبشأن إمكانية اعتراف حزب الإخوان بإسرائيل، نسبت صحيفة "الحياة" اللندنية في عدد السبت 13-10-2007، للعريان قوله: "لو وصلوا إلى الحكم فسيعترفون بإسرائيل ويحترمون المعاهدات، لكن اتفاقية كامب ديفيد ستطرأ عليها تغيرات وفقًا لما يناسبنا، ولا يعني هذا أننا نعلن الحرب، ولكن سنقوم بمراجعة الاتفاقات والمعاهدات بما يتواءم مع المصلحة المصرية".
وردا علي سؤال لـ "إسلام أون لاين.نت" حول ما إذا كان التعامل بواقعية مع إسرائيل يعني اعترافا صريحا بها قال العريان: "حديثنا عن التعامل مع إسرائيل بواقعية لا يعني أبدا الاعتراف بها، لكننا قصدنا به أنه في حال وصول حزب الإخوان إلى السلطة فإنه سيحترم كافة الاتفاقات التي وقعتها الحكومات التي سبقته، وإذا أراد التعديل عليها أو إلغاءها لا يتم ذلك إلا من خلال الوسائل الدستورية، المتمثلة في الرجوع إلى البرلمان".
ردود فعل
الدكتور رفيق حبيب -وهو مفكر قبطي وأحد أعضاء اللجنة التي وضعت برنامج الإخوان- فقد نفى بشدة أن يكون البرنامج تطرق إلى مسألة الاعتراف بإسرائيل. وقال للجزيرة نت "البرنامج تمسك بدولة فلسطين التاريخية ويرفض فكرة قيام دولتين".
إثارة متعمدة
بالمقابل رأى آخرون أن العريان تعمد إثارة الجدل حول هذه القضية لأسباب متباينة، منها الرغبة في قياس ردة الفعل داخليا وخارجيا على إمكانية اعتراف الجماعة بإسرائيل، خاصة أن برنامج الحزب ما زال بين يدي النخبة والمثقفين لدراسته.
وفي هذا الشأن رأى رئيس حزب التجمع رفعت السعيد أن تصريحات العريان تعكس خللا وارتباكا في الجماعة.
وقال السعيد للجزيرة نت "إن الإخوان فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، يعانون من حالة ارتباك تعبر عن ضعف في القيادة وخلل في التركيبة القيادية ربما بسبب غياب الشخصيات الأقوى في الإخوان ووجودهم في السجون رهن الاعتقال".
سابقة خطيرة
أما عصام سلطان المحامي والقيادي في حزب الوسط المنشق عن الإخوان فقال إن تصريحات العريان وتعقيب الدكتور عبد الحميد الغزالي المستشار السياسي للمرشد العام عليها بأن مسألة الاعتراف سابقة لأوانها، "سابقة خطيرة لأن مبدأ الاعتراف بإسرائيل يخالف الثوابت الشرعية والوطنية".
وأضاف أن "الغزالي لم ينف ما قاله العريان لأنه قال إن مسألة الاعتراف سابقة لأوانها، ومعنى ذلك أن الاعتراف آت لا محالة".
تعامل لا اعتراف
غير أن الدكتور الغزالي أوضح للجزيرة نت أن تصريحاته التي أدلى بها لصحيفة "المصري اليوم" والتي أكد فيها أنها مسألة سابقة لأوانها، لم يقصد الاعتراف بإسرائيل وإنما قصد مسألة التعامل مع إسرائيل ومع معاهدة كامب ديفد في حال وصول الإخوان للحكم.
وقال إن ما يجب الاهتمام به هو إعادة الحقوق المشروعة كاملة للشعب الفلسطيني وأولها إقامة دولته على أرضه، ورفع الحصار المفروض على الفلسطينيين في قطاع غزة الذي قال إنه "وللأسف يتم بأيدي بعض الفلسطينيين والدول العربية التي توصف بالمعتدلة
تبعات التوقيت
أما نبيل شبيب فقد رأى أنه من أخطر ما توقع به النصوص المعنية في صيغة حزب الإخوان وفي تصريحات الدكتور العريان أنّها توهم بأنّ العرض المسبق لإزالة العقبة الثالثة والكأداء على هذا النحو للتعامل غربيا مع التيار الإسلامي، سيزيلها فعلا، وسيتعامل الغربيون آنذاك بنزاهة مع الإسلاميين كقوّة سياسية موجودة على أرض الواقع.
إنّ ما تصنعه تلك النصوص هو دفع الثمن قبل استلام البضاعة إذا صحّ التعبير، ودون مجرّد وجود تعهد بتسليمها، ودون وجود أي مؤشرات على إمكانية الثقة بمن يُنتظر منه تسليمها، أي القوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا علاوة على أنّنا لا نتعامل مع صفقة تجارية، يمكن أن نخسر فيها الثمن والبضاعة معا، ولا نصل إلى حدّ الإفلاس، بل نتعامل مع قضية مصيرية وشعوب وأرض ومستقبل، وهنا لا يمكن القول إنّ الاعتراف، واقعيا كان أم قانونيا دوليا، يمكن الرجوع عنه في فترة لاحقة، فمجرّد الإقرار بالاستعداد له يعني أنّ الثمن قد وصل لمن يسعى إليه، ولن يمكن بالوسائل السياسية مهما أتقن الإخوان أو سواهم فن التعامل مع الواقع بهذا المفهوم المقلوب رأسا على عقب، أن يحصّلوا لاحقا "البضاعة" التي ينتظرونها، وما مثال عرفات ومنظمة "التحرير" الفلسطينية ببعيد.
إنّ في توقيت تلك التصريحات في المرحلة الراهنة بالذات، مع كلّ ما يجري من إعداد لمؤتمر دولي يمكن أن يصبح المدخل إلى تصفية قضية فلسطين، هو إعطاء الذريعة لمن هم على استعداد في الأصل لتلك الخطوة، أن يقدموا عليها فعلا، فحتى "التيار الإسلامي" الذي طالما قيل إنّه يسيطر على "الشارع".. أي يعبر واقعيا عن الإرادة الشعبية، لم يعد كما كان في الأمس القريب، ولن يكون غدا بعيدا عمّا يصنعه ذلك المؤتمر، ولئن كان الإخوان المسلمون من بين فصائل التيار الإسلامي الكبير على استعداد لممارسة فن الواقع اعترافا واقعيا وتعاملا مع اتفاقيات باطلة، فما الذي يمنع أن تصنع ذلك هذه الحكومة أو تلك، من الحكومات التي لا تزال تخشى من غضبة شعبية إسلامية الاتجاه على ما تصنع؟..
وإنّ ما تواجهه حماس مع سائر الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة أكبر بما لا يقاس ولا يقارن ممّا يواجهه الإخوان المسلمون ويواجهه التيار الإسلامي عموما، وما زالت ماضية على طريق الصمود والمقاومة مع الشعب المستعمَر والمشرّد، والدعمُ الحقيقي لجبهة الحق في قضية فلسطين لا يمكن أن يأتي من خلال سلوك فريق من التيار الإسلامي، لا سيما فريق الإخوان المسلمين، طريقا سلكته الحكومات العربية، وسلكه فريق من الفلسطينيين، وعبروا من خلاله محطات كامب ديفيد، ومدريد، وأوسلو، ولم يصلوا من وراء ذلك كله إلاّ إلى متاهة "خارطة الطريق" ما بين الحصار والجدار والحواجز والتقتيل والتدمير والتهويد يوميا داخل فلسطين، واحتلال العراق وتهديد سواه خارج فلسطين.
وإن آخر ما ينتظره الصامدون في أرض فلسطين، وفي العراق، وسواهما، هو أن يجدوا "أقرب" المقرّبين إليهم، يتخذون موقفا، مهما قيل في تسويغه، ففيه في هذا التوقيت بالذات ما يكاد يقول للمقاومين الصامدين: كفوا عن الصمود والمقاومة، واسلكوا -مثلنا- طريق السياسة والمساومة.
المصادر( جزيرة نت – إسلام أونلاين -مداد القلم)
*الصورة للدكتور عصام العريان.