عمون - وائل الجرايشة - فاجأ خبر تكليف السياسي ورجل الخبرة في الاقتصاد والإدارة الأردنية الدكتور عبدالله النسور رئيساً للحكومة أوساطاً محليّة ونُخباً سياسيّة وتقليديّة.

عنصر المفاجأة هنا مردّه ذلك التكتم الشديد الذي رافق عملية تعيينه فضلاً عن شخصية الرجل الجدليّة في السنوات القليلة الأخيرة.

استقال النسور من مجلس الأعيان السابق وترشح للانتخابات النيابية (2010) وفاز عن محافظة البلقاء.

بدا أقرب للمعارضة في السنتين الأخيرتين؛ مختلفاً في توجهاته وأفكاره بعد وصوله إلى سدّة البرلمان السادس عشر فحجب الثقة عن رؤساء الحكومات الأربع التي مرّت في زمن المجلس (سمير الرفاعي، معروف البخيت، عون الخصاونة، فايز الطراونة) بل كان يعلن عدم منح الثقة خلال كلماته بمداولات الثقة والتي كانت تتصدر دوماً مناقشات النواب على مداولات الثقة إذ كان يرغب بالتسجيل باكراً.

أيّد النسور في ندوة حوارية بالسلط مؤخراً حل مجلس النواب السادس عشر بعد أن اعتبره "عبئاً على الملك" وقال "أنا أرى جلالته يقف وحيداً في عملية الإصلاح إذ لا توجد حكومة قوية تسانده ولا مجلس نواب قوياً قادراً على مواجهة مطالب الحراك والحوار معه"، متنبئاً بحل المجلس القادم اذا لم تجر الانتخابات بنزاهة وشفافية ولم يكن ملبياً للتوقعات.

انسلخ النسور إلى حدٍّ ما عن الفكر البيروقراطي للدولة مؤخراً، طارحاً نفسه كـ"إصلاحي"، وغازل الشارع كثيراً وعارض خططاً حكومية أزعجت فئات مختلفة..

انتقاداته اخترقت السقوف ومسّت كل الجهات فيما كان يتوقف تحت سقف الملك ويعتبر صلاحياته خطاً أحمر بل أن الدعوات في هذا الصدد "مشبوهة" بحسب وصف أطلقه خلال محاضرة له في مأدبا العام الفائت.

يرى أن ما حدث في المنطقة "زلزال كبير"، عازياً الإطاحة بأنظمة عربية كون تلك الدول خصماً لشعوبها، بينما الأردن يختار أبناؤه التعامل مع هذه الظروف ويوجهونها لمصلحة الوطن.

"الأردن لا يملك الحصانة التي تملكها مصر عند تغيير نظام الحكم" يقول النسور في محاضرة له بالزرقاء العام الماضي، معبراً عن قناعته بأن البديل عن النظام السياسي في الأردن هو"إسرائيل".

كان من أشد المدافعين عن إنشاء المحكمة الدستورية وناصرَ مطالب المعلمين في نقابتهم، وانتقد التخبط الذي حصل في دستورية النقابة من عدمه، غامزاً إلى أن هنالك من لوى عنق الدستور وطوّع الأمر وفق منظور مخابراتي، واصفاً القرار السابق للمجلس العالي بحق النقابة الذي اتخذ (٩٣-٩٤ ) بـ "المسيس" و"غير الدستوري".

وبينما طالب بتسبيب قرار حل مجلس النواب من الملك، بقي النسور معادياً للنص الدستوري الذي كان يعد خطاب العرش الذي يلقيه الملك بافتتاح البرلمان بياناً للحكومة، معتبراً أن هذا النص أتاح للحكومة ابتزاز النواب وإحراجهم لان حجب الثقة يعني عدم الرضا عن خطاب العرش ما يسهل على الحكومة الحصول على الثقة بأريحية، مطالبا بتعديل النص لالزام الحكومة بان تتقدم ببيان وزاري وهو ما حصل فعلاً عقب التعديلات الدستورية التي أجريت أواخر العام الماضي.

عشية انطلاق الدورة الاستثنائية الأولى من عمر البرلمان السادس عشر وصف مشاريع قوانين تقدمت بها حكومة البخيت بـ "المتخلفة" وتقع في تضاد مع الحريات.

إبان مناقشة النواب للتعديلات الدستورية وتغيب عدد كبير منهم عن التصويت على فقرات ومواد الدستور صيف العام الماضي إلمح النسور إلى أن الخوف ليس على سمعة النواب وإنما على الدستور، مخاطباً النواب "نحن نأمل بدستور مشرق.. واسألكم بالله أن نخرج بدستور مشرق"، خاتماً حديثه بالقول "نحن نهلهل الدستور".

وهاجم حسر الدستور لصلاحيات مجلس النواب بما يرد على الدورات الاستثنائية، واصفاً ذلك بـ"شل عمل البرلمان وقصر أعماله على سنّ القوانين"، وتساءل "كيف يجري كف يد مجلس الأمة عن بحث أي موضوع في البرلمان ما لم يرد في قائمة القوانين التي وردت في الإرادة الملكية؟".

وقال "كيف تُكمّم أفواه مجلس النواب ثمانية أشهر (من يوم انتهاء الدورة العادية الأولى في 31 آذار إلى يوم ابتداء الدورة العادية الثانية في 30 تشرين الثاني) دون أن يستطيع الخوض في أي موضوع أو حدث سياسي أو كارثة طبيعية أو مستجدات اجتماعية؟

* مواقف وكلمات

بدت كلماته في مجلس النواب مثار اهتمام الأردنيين عقب انتشار خبر تعييه رئيساً للوزراء ووضعوها على صفحاتهم على "فيس بوك"، ومن جملة ما استذكروه عبارته الشهيرة لرئيس الوزراء السابق معروف البخيت "المخابرات خلفكم يا دولة الرئيس لا أمامكم"، في إشارة إلى الأخطاء التي ارتكبت في عهد حكومة البخيت الأولى (2007) التي أدارت الانتخابات المتهمة بالتزوير.

النسور الذي كان يُمتّع النواب بكلماته ومداخلاته تحت قبة البرلمان متمكن من الدستور والقوانين وهو محاجج جيد ومناكف أيضاً وفي كثير من الأحيان كان يقنع النواب بآرائه التي يبديها بهدوء بالغ لكنه يحب أن ينصت الجميع حينما يتحدث ويستخدم اللغة بشكل جيد.

كان يُسر لمقربين منه إبان وجوده في البرلمان رغبته في الترشح لانتخابات الرئاسة لكن المجلس وشكله لم يكونا يساعدانه على التفكير جدياً بهذا الأمر، فبقي بين التردد والابتعاد عن الفكرة.

نعى النسور مجلس النواب بعد اتهام الدولة بانها افسدت المجلس حين تدخلت في الانتخابات والكتل وتشكيل البرلمان وحتى تزكية الرئيس، وناشد في محاضرة له بالزرقاء العام الماضي الحكومة والأجهزة ان ترفع وتكف يدها عن مجلس النواب، واصفاً هذه التصرفات بـ"الغباء وانها لا يخدم الدولة".

ولم يتورع خلال مناقشة التعديلات الدستورية بنقد تدخلات خارجية عبر الاتصال بالنواب رغم حجب شبكة الاتصالات حينما قال بشكل مُبطن "يا اخوان بدي اسمع لأنه في أصوات خلويات".

وصف المجلس "بكيس الملح"، مشدداً على أن النواب وأدوه بأيديهم وقتلوه وقال "كان على البرلمان ان يتصدى للعديد من القضايا لانه المظلة لهذا الشعب والمواطن يحتمي بهذا المجلس لكننا للاسف فقدنا في الثلاثة الشهور الاخيرة في مجلس النواب المصداقية واصبح المجلس عبئاً على الدولة".

ظهرت عليه علامات التعجب من استقالة محافظ البنك المركزي السابق فارس شرف فوجّه سؤالاً للحكومة حول أسباب رحيل الرجل "غير المألوف" - على حد وصفه - وكانت صيغة السؤال "ما هي اسباب استقالة أو إقالة أو الإيعاز بإقالة محافظ البنك المركزي الأردني؟".

سجّل البعض على النسور امتناعه عن ادانة البخيت في ملف الكازينو بينما أدان وزير السياحة الأسبق اسامة الدباس، وحاول كثيراً شرح موقفه حسب البينات والأدلة التي كانت بين يديه بعد تحقيق لجنة نيابية في القضية، واوضح لاحقا بعد الاستفسارات عن موقفه أن على المرء المنصف أن يميز بين القرار (الفاسد) والقرار (الخاطئ) و"شتّان َ بين الأمرين".

من المآخذ على النسور سعيه لصياغة مادة دستورية تحافظ على مجلس النواب السابق وتحصنه من الحل، فقدم اقتراحاً بعد أن انتهى النقاش حول مادة أثناء التعديلات الدستورية تنص على انه "لا يجوز حل المجلس إلا لظروف قاهرة يتوجب ذكرها"، اضاف النسور تعليقا على مقترح للنائب محمد زريقات الذي يقول " اذا حُل مجلس النواب فلا يجوز حل المجلس الجديد " فاقتراح النسور إضافة "يطبق النص على مجلس النواب قديمه وجديده وحاليه".

وتقدم باقتراح آخر "لا يجوز حل مجلس النواب إلا لأسباب ضرورية تجيزها المحكمة الدستورية" قبل أن يؤكد النائبان القانونيان عبد الكريم الدغمي ومحمود الخرابشة ان ذلك مخالف للنظام الداخلي بالذهاب نحو تقديم مقترحات جديدة وقال الدغمي "الاتيان بأحكام جديدة على المقترحات غير جائز"، واستغرب حينها الخرابشة المقترح الذي يقضي باللجوء إلى المحكمة الدستورية لاستفتائها في امر لم يحدث (حل مفترض).

* الإقتصاد :

النسور مقبل على مشروع قانون موازنة للسنة المالية 2013 للدولة أمام استحقاقات إقتصادية صعبة تتمثل في الخطط التي اعدها سلفه فايز الطراونة "شيخ المحافظين" على حد وصف أطلقه عليه الرئيس المكلف النسور خلال مناقشة النواب الثقة على حكومة الطراونة.

الطراونة خلف تركة ثقيلة تتعلق بهندسة ملف رفع الأسعار مقابل الدعم المباشر والنقدي للشرائح المستحقة .

النسور الذي تقلد مواقع اقتصادية مهمة في الدولة الاردنية كان يبدي انزعاجاً بالغاً من مستوى الدين العام والعجز الذي وصلت اليه المملكة، وحمل مسؤولية هذا الأمر إلى اللجان النيابية وكان يطالب الرقابة المسبقة من قبل البرلمان على الدين العام او القروض .

يبدي النسور قلقه من المؤسسات المستقلة وعدم مرور موازناتها على مجلس النواب، وكان يشدد على ضرورة عدم صرف أي دينار من الموازنة وبخاصة تلك التي تصرف على المؤسسات المستقلة إلا من خلال مجلس النواب.

طالب النائب عبدالله النسور في الدورة العادية الثانية لمجلس النواب بالعمل من اجل تعديل قانون المالكين والمستأجرين، مشيرا الى وجود ثغرات اثناء تطبيق القانون تضر بالمستأجرين.

حذر في خطاب الموازنة العامة إبان حكومة الخصاونة من أن غطاء الدينار بالعمولات الصعبة والمعادن الثمينة تراجع بصورة مستمرة وحرجة, مضيفاً ان التراجع لعام 2010 بلغ مليار دينار وانه خلال عام 2011 بلغ حوالي ملياري دينار, مؤكداً "يجب دق جرس الانذار حول سعر صرف الدينار".

وقال لوزير مالية الخصاونة "لم نسمع من وزير المالية الذي تشكو خزانته من عجز عميق رأياً حول ضريبة الدخل على البنوك وكان حرياً به ان يسمعنا رأيه وهو من اصول ومنابت مصرفية فيما اذا كانت الاعفاءات المهداة للبنوك مبررة فوصلت ارباحها الصافية الجاهزة للتوزيع بعد الضرائب والمخصصات ما يقع بين (30) و(40) بالمائة، مضيفاً ان لديه "الوثائق الداعمة لذلك" .

وصوت ضد مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2012 المقدم واتهمها بالتنصل من خطة تطوير القطاع العام المعتمدة عام 2010 والمعدلة عام 2011 وذلك بدمج المؤسسات المتشابهة .

* الصحافة:

يستذكر الصحفيون إقرار قانون مؤقت للمطبوعات والنشر إبان كان النسور نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للإعلام في عهد حكومة عبد السلام المجالي العام 1997 حيث اُبطل القانون بعد أن طُعن في دستوريته، وهنا يتمنى الزميل نضال منصور أن "يترجم الرئيس المكلف معارضته تحت قبة البرلمان الى أفعال وممارسات حقيقية تنقذ الإعلام والحريات من العصف به والمأزق الذي وضعته الحكومة السابقة".

ربما النسور اليوم ليس بالنسور أمس فهكذا بدت التصريحات والمواقف، فالرجل هاجم المادة المتعلقة بتقييد الحريات في قانون مكافحة الفساد الذي قدم الصيف الماضي للبرلمان وقال في تصريح لـ "عمون" حينها "المادة ٢٣ من قانون مكافحة الفساد تكمم أفواه النواب قبل الصحافة"، ليؤكد بعدها تحت قبة البرلمان أن "هذه المادة تحصن الفاسدين وتخرس الناس ولا تسمح لأحد إلا وبيده وثيقة الحديث عن الفساد، ولو اتبعنا هذه المادة فإن 80 قضية مثل ملفات الموارد والكازينو والمصفاة لم تكن لتكشف أمام الرأي العام"، ودعا النسور النواب وقتها إلى أن "لا يسبحوا ضد التيار في العالم العربي".

زار مؤخراً خيمة اعتصام المواقع الالكترونية مبدياً وقوفه الى جانبهم ومناهضته لقانون المطبوعات والنشر، وبينما رفعت حكومة فايز الطراونة ومن ثم ارسلت قانون المطبوعات والنشر فقد ازعج النسور وقال بعد أن أشار إلى أنه ليس وقته "أن من طرح هذا القانون لديهم قصر نظر ويصبون زيتا على النار".

"أبو زهير" يجيد التعامل مع الصحفيين وتربطه علاقات حميدة مع الوسط كما أن مهاراته التكنولوجية لافتة وظهر في إحدى الصور وهو يحمل "الأي باد" ويقلب صفحات "عمون"، وكان يميل إلى القراءات الهادئة الناقدة والتحليل السياسي لكنه يضيق ذرعاً بالهجوم عليه أو تجاهل ما يطرحه من أفكار.

حين تعرض موقع "عمون" للقرصنة في شهر شباط 2011 بعث برسالة الى رئيس مجلس النواب قبيل تشكيل حكومة معروف البخيت رفض فيها مثل هذا التصرف وطالب بفتح تحقيق مباشر.

***

المواقف الحادة التي بناها النسور خلال العامين الماضيين جعلت الكثيرين يعولون على تطبيق الافكار النظرية عملياً، وهذا دفع قوى معارضة تطلق تصريحات عقب تكليف النسور تتمنى فيها على الرجل الالتزام بمبادئه تحت قبة البرلمان ونقل تجربته إلى الدوار الرابع.