منذ سنواتٍ بعيدة، كنتُ أنتظر زيارة ابن خالتي حسين لا لشيءٍ إلا لأستغلّ جمال خطّه ودقته، فأدسّ إليه مشاركاتي لبريد القرّاء في الصحف الأردنية، وأرجوه أن “يُبيّضها” بخطه الأنيق الذي كان يفضح فوضى خطّي أنا. لم أكن أعلم آنذاك أنني لا أستعين فقط بخط جميل، بل بعقلٍ مبكر التشكّل، وذكاءٍ كان يشق طريقه بثبات نحو مستقبلٍ استثنائي.
وُلد حسين ونشأ في بيتٍ عريق، بيت أبيه وجده في منطقة الجدعة، حيث القيم الأصيلة والانضباط والاحترام. هناك تشكّلت ملامح شخصيته الأولى، وتعلّم أن الاجتهاد ليس خيارًا مؤقتًا بل أسلوب حياة. التحق بالمرحلة الابتدائية في مدرسة سعيد البحر، ولم يكن طالبًا عاديًا بين زملائه، بل كان حاضر الذهن، سريع الفهم، لافتًا للمعلمين قبل الطلاب.
أتذكره طفلًا يحمل الصحف بيديه الصغيرتين، يأتي إلى بيتنا بثقة الكبار، يجلس ويبدأ بقراءة عناوين الأخبار بصوتٍ عالٍ، وكأنه يعلن منذ ذلك الحين أنه لا يكتفي بما يُلقّن، بل يسعى لمعرفة ما وراء السطور. لم يكن يقرأ فقط، بل يفهم، ويسأل، ويناقش بكل ثقة.
كبر حسين، وكبر معه تفوقه. كان نموذجًا للطالب الذكي المجتهد، الذي يجمع بين الذكاء الفطري والانضباط الدراسي. وحين جاءت نتيجة الثانوية العامة، جاءت شاهدة على سنوات من التعب والسهر، فكان من المتفوقين الذين يرفعون الرأس، لا لأنهم حصلوا على درجات عالية فحسب، بل لأنهم استحقوها عن جدارة.
ولم يكن غريبًا أن يتألق لاحقًا في كلية الهندسة، حيث وجد عقله التحليلي وميوله العلمية المساحة الحقيقية للإبداع. هناك لم يكن مجرد طالب ناجح، بل مهندسًا يُبشّر بمستقبل واعد، يحمل طموحه معه أينما ذهب، ويثبت أن التميز لا يولد صدفة، بل يُصنع منذ الطفولة.
إن الحديث عن حسين ليس مجرد فخر بابن خالة، بل شهادة صادقة على قصة نجاح بدأت من بيتٍ بسيط في الجدعة، ومن صحيفة تُقرأ بصوتٍ عالٍ، ومن خط جميل كان يكتب آراء غيره… ليكتب لاحقًا اسمه بين الناجحين والمتفوقين.