facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إنسان في القرآن عند العقاد

أحمد يوسف
02-12-2007 02:00 AM

ربما كان من أفضل الأبحاث التي تطرقت الى مفهوم الانسان و دوره و مكانته هي تلك التي قدمها المفكر الكبير عباس محمود العقاد ، فطرح في كتابه ( الإنسان في القرآن الكريم ) مجمل الأسئلة التي دارت في ذهن ( الإنسان ) منذ القدم و على مر العصور ، و حاول تقديم الإجابة على تلك الأسئلة استنادا الى القرآن الكريم ،
مع التنبيه الى أنه لا وجود لجواب على هذه الاسئلة في غير ( عقيدة دينية ) تجمع للإنسان صفوة عرفانه بدنياه و صفوة ايمانه بغيبها المجهول . و قطعا فإن أي فكر أو أيديولوجية انسانية وضعية ستعجز عن فهم ( الانسان ) بكافة جوانبه و أبعاده ، فضلا عن عجزها عن تحديد الدور الوظيفي لهذا الانسان الذي خُلق من أجله و عجزها عن تحديد علاقته مع الكون .

ينقسم الكتاب الى بحثين ( أو كتابين ) ، و سأتناول في موضوعي هذا الكتاب الأول ( الانسان في القرآن ) ، و سأتطرق الى النقاط المذكورة فيه بإختصار ،


و الان اذكر تلك الاسئلة ( كما ذكرها العقاد ) ، و هي :

- من هو الانسان ؟
- ما مكانه من هذه السيارة الأرضية بين خلائقها الأحياء ؟
- ما مكانه بين ابناء نوعه البشري ؟
- و ما مكانه بين كل جماعة من هذا النوع الواحد ، أو هذا النوع الذي يتألف من جملة أنواع يضمها عنوان ( الانسان ) ؟

لقد أعتبر العقاد بأن معرفة الانسان لإجابات هذه الاسئلة ستضمن له النجاح و الاستمرارية ، و أن الجهل بها سيقابله فشل ذريع يعود على الانسان بنتائج كارثية .

للإجابة على هذه الاسئلة قدم العقاد مجموعة من النقاط و التي تُشكل في مجملها نظرة القرآن الكريم للإنسان ، و بالتالي فإن هذه النظرة تُقدم إجابات شافية على تلك الاسئلة أو على أي سؤال آخر قد يطرأ على الأذهان ،

و هذه النقاط هي :

- المخلوق المسؤول ،

كان لإرتفاع القرآن بالدين من عقائد الكهانة و الوساطة و الالغاز الى عقائد الرشد و الهداية و إعمال العقل و الفهم الأثر الكبير في تصحيح صورة الانسان ، هذا المخلوق المسؤول ،
فقد بين القرآن الكريم أن الانسان هو أكرم الخلائق نظرا لتفرده بـ ( الاستعداد ) للتكليف ، هذا الاستعداد ( الذي تفتقر اليه باقي المخلوقات ) جعل الانسان يتذبذب بين نقيضين هما : الكمال و النقص ، و الخير و الشر ، و يقول العقاد :
( ان الجمع بين النقيضين في الانسان ينصرف الى وصف واحد ، و هو وصف الاستعداد الذي يجعله أهلا للترقي الى أحسن تقويم و أهلا للتدهور الى أسفل سافلين ) .

و كون الانسان مناط تكليف فهذا يتطلب بالضرورة أنه مسؤول عن عمله سلبا أو ايجابا و محاسبا عليه .

- الكائن المُكلف ،

بين القرآن الكريم مكانة الإنسان ، و وَضَعه في أشرف منزلة في ميزان الفكر و في ميزان الخليقة الذي توزن به طبائع الكائن بين عامة الكائنات ، و انتشله من قاع الصور الفلسفية التي حاولت تصوير الانسان بغير صورته و وضعه في غير مكانه ، و يقول العقاد عن ( الانسان ) في ذلك :
( هو كائن أصوب في التعريف من قول القائلين انه " الكائن الناطق " و أشرف في التقدير ، و هو أصوب في التعريف من " الملك الهابط " و من " الحيوان الصاعد " و أشرف في التقدير من هذا و ذاك ، فليس " الكائن الناطق " بشيء إن لم يكن هذا النطق أهلا لأمانة التكليف ، و ليس " الملك الهابط " منزلة تهدى الى طريق الصعود و الهبوط ، و ليس " الحيوان الصاعد " بمنزلة الفصل بين ما كان عليه و ما صار اليه ، و لا بمنزلة التمييز بين حال و حال في طريق الارتقاء ،
إنما الكائن المكلف شيء محدود بين الخلائق بكل حد من حدود العقيدة أو العلم أو الحكمة ، و حادث من حوادث الفتح في الخليقة موضوع في موضعه المكين بالقياس الى كل ما عاداه ) .

و قد بين القرآن أن لا تعارض بين التكليف و إعمال العقل و المنطق في أي حال من الأحوال ، بل على العكس تماما حيث أن التاريخ البشري لم يعرف قبل الاسلام رسالة تُميز الانسان بخاصة التكليف و اعداده لخطاب العقل و بينات الاقناع .

- روح و جسد ،

مع اقرار القرآن الكريم لحقيقة أن الانسان هو روح و جسد ، و على اعتبار أن عقيدة الروح هي إحدى العقائد الغيبية في القرآن ، و بما أن العقائد الغيبية أساس عميق من أسس التدين ، فإننا نجد أن القرآن كان المنهاج الوحيد الذي لم يُوجد تعارض بين الايمان بالعقائد الغيبية و العقل ،
فالعقائد الغيبية في القرآن لا تُعطل عقول المؤمنين بها و لا تُبطل التكليف في خطاب العقل ، و هنا يؤكد العقاد على أن الروح و الجسد في القرآن الكريم ملاك الذات الانسانية ، تتم بهما الحياة ، و لا تنكر احداهما في سبيل الآخر ، فلا يجوز للمؤمن بالكتاب أن يبخس للجسد حقا ليوفي حقوق الروح ، و لا يجوز له في المقابل أن يبخس للروح حقا ليوفي حقوق الجسد ، و لا يُحمد منه الاسراف في مرضاة أي طرف من الطرفين .





- النفس ،

و هنا أبدع العقاد ( كعادته ) في تحليل مفهوم ( النفس ) و بين أوجه الخلاف بين ( نفس ) الفلاسفة و ( نفس ) القرآن الكريم ، و بيّن الفرق بين النفس و الروح و العقل ، و ارتباط كل منها بـ ( الانسان ) ، و هنا يقول العقاد :

( فجملة هذه القوى من النفس و العقل و الروح هي " الذات الانسانية " ، تدل كل قوة منها على " الذات الانسانية " في حالة من حالاتها ، و لا تتعدد " الذات الانسانية " بأية صورة من صور التعدد لانها ذات نفس أو ذات روح أو ذات عقل ، فإنما هي إنسان واحد في جميع هذه الحالات ) ،

قدم القرآن الكريم عرضا للنفس في جميع قواها و حالاتها ، فذكر القرآن الكريم – النفس اللوامة و النفس الملهمة و النفس الأمارة بالسوء و النفس المطمئنة و النفس البصيرة ، ثم جاء العقاد ليختم موضوع النفس بهذه الخلاصة :
( لعلنا نفقه من هدى القرآن الكريم ترتيب هذه القوى في الذات الانسانية ، و عمل كل منها في القيام بالتكليف و تمييز الانسان بمنزلة الكائن المسؤول ، فالإنسان يعلو على نفسه بعقله ، و يعلو على عقله بروحه ، فيتصل من جانب النفس بقوى الغرائز الحيوانية و دوافع الحياة الجسدية ، و يتصل من جانب الروح بعالم البقاء و سرّ الوجود الدائم و علمه عند الله ، و حق العقل أن يُدرك ما وسعه من جانبه المحدود ، و لكنه لا يدرك الحقيقة كلها من جانبها المطلق الا بإيمان و إلهام ) .

- الأمانـة ،

كان ذكر ( الامانة ) في القرآن الكريم يُفيد دائما معنى التبعة و العهد و المسؤولية ، و حتى عندما ذُكرت بمعنى الوديعة المالية ( كما في سورة البقرة ) فهي لم تخرج عن المعنى العام للأمانة و هو الحق و الفريضة و كل ما يرعاه الإنسان من عهد و ذمة ،
اجتماع الفطرة و العقل و الادارك عند الانسان دون باقي المخلوقات كان السبب في قبوله لحمل الأمانة ( التكليف ) مع علمه بتبعات هذا الحمل ، قال تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السموات و الارض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) ،

ظلوما – لأنه يتعدى الحدود و هو يعرفها ، و جهولا – لأنه يتعدى تلك الحدود و عنده أمانة العقل التي تهديه الى معرفة تلك الحدود ، فلا عذر له في ( جهلها ) .

- التكليف و الحرية ،

و هنا نبّه العقاد الى الخطأ الكبير الذي يقع فيه العديد من المجادلين في قضية القدر و قضية الايمان و قضية التكليف و الجزاء ألا و هو إهمالهم لشرط الطاعة و إقتصارهم على شرط الحرية فقط ، مع العلم أن من مقتضيات التكليف وجود الحرية و الطاعة معا ،
و هذا الباب تاه فيه الكثيرون ، لأن اقتران الجزاء بالحرية المطلقة فقط دون شرط الطاعة هو استحالة عقلية ،
ثم يُشير الى الفرق بين الايمان الذي يُلغي العقل و بين الايمان الذي يعمل فيه العقل غاية عمله ليصل الى الايمان ، ثم يطرح قضية هامة في معرض حديثه عن العقل و الايمان ، و هي هل يستطيع العقل أن يعلم بضرورة الايمان ؟
يُجيب العقاد عن هذا التساؤل بكل براعة حيث يقول :
( الموجود الذي يصُح أن نؤمن به هو موجود كامل أبدي ليس له حدود ، و الموجود الذي ليس له حدود لا يُحيط به إدراك العقل المحدود ، و بالتالي فإن النتيجة العقلية لهذه الحقيقة هي إحدى اثنتين :
إما إنكار جُزاف ، و إما تسليم بحقيقة تفوق إدراك المعقول ) .
ثم يُبين أن الانكار يُعطل العقل و يوقعه في نقيضين ، حيث يكون الانكار في هذه الحالة معناه أن سبب الإيمان الوحيد هو نفسه سبب الانكار الوحيد .
و بالنتيجة فإن العقل الذي يزيد عليه الايمان هو العقل الذي خاطبه القرآن بالتكليف .

- أسرة واحدة ،

فيما تاه العلماء الغربيين في ( تصنيف ) الانسان ، هذا النوع الحيواني الذي ارجعه البعض الى سلالة القرود ، فضلا عن تقسيمه الى طبقات حسب لونه ، جاء القرآن الكريم ليضع الانسان ( علما و دينا ) في موضعه الصحيح ، و ذلك حين قدمه على أنه ابن ذكر و أنثى ، و أنه ينتمي بشعوبه و قبائله الى الاسرة البشرية التي لا تُفاضل بين الاخوة فيها بغير الايمان و العمل الصالح .

و يحسب البعض للوهلة الاولى أن تعدد القبائل و الشعوب هو من باب الافتراق و التباين ، إلا أن هذا التعدد هو باب التكامل ، هذا التكامل الذي يسعى بالنتيجة الى وحدة بني الانسان ، و هذه الوحدة في صلة الانسان بالانسان تُساعد على زيادة الصلة بين الناس و ربهم الذي ساوى بينهم في الانسانية و لا يتفاضلون بين بعضهم البعض الا بالتقوى و العمل الصالح .
قال تعالى : ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى ، و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير ) .

- آدم ،

ثم جاء القرآن الكريم ليقدم لنا قصة أدم ، قصة الانسان الأول الذي خُلق من تراب ، و ارتقى بالخلق السوي الى منزلة العقل و الارداة ، و هنا يقول العقاد :
( هذه قصة نشأة آدم في القرآن ، و هي إحدى قصص الخلق و التكوين ، و في هذه القصص جميعا من أمر الغيب ما هو حق الايمان ، و فيها من أمر الحياة الانسانية ما يسعه خطاب العقل ، و يتقبله بعلم منه يوافق الايمان ، و هو العلم بقيم الحياة أو العلم " بالقيم " العليا في حياة الانسان و سائر الأحياء ،
و لباب القيم جميعا أن الفضيلة العليا إرادة و تجربة ، و ليست منحة يبطُل فيها التصرف و يمتنع فيها التميز ) .

ثم يذهب العقاد في الكتاب الثاني الى استعراض عدد من القضايا اذكر منها :

- الانسان في مذاهب العلم و الفكر .
- الانسان و مذهب التطور .
- الدين و مذهب داروين .
- الانسان في علوم النفس و الأخلاق .
- مستقبل الانسان في علوم الأحياء .

و أخيرا يختم العقاد كتابه بطرح هذا السؤال الهام : هل صحيح أن القرآن يُلقي بالإنسان غريبا منقطعا في القرن العشرين ؟

ثم يجيب على هذا السؤال و يقول :
( الجواب الذي لا تردد فيه هو أن القرآن يضع الانسان في موضعه الذي يتطلبه ، فلا تسعده عقيدة أخرى أصح له و أصلح من عقيدة القرآن ، لأن عصر العلاقات العالمية لا يتطلب " مواطنا " أصح و أصلح من الانسان الذي يؤمن بالأسرة الإنسانية ، و يستنكر أباطيل العصبية و مفاخر العنصرية ليعترف بفضل واحد متفق عليه في كل أرض و بين كل عشيرة آدمية و هو فضل الاحسان في العمل و اجتناب الإساءة ) .

أما موضع الانسان بين خلائق الارض و السماء أنه المخلوق المميز الذي يهتدي بالعقل فيما علم ، و بالايمان فيما خفي عليه ، و موضعه من بني آدم و حواء أنهم أخوة من عشيرة واحدة ، اكرمها من كرم بما يعمل من حسن و يجتنب من سوء ، و أفضلها من له فضل بما كسبه و ما اتقاه ، لا يُدان بعمل غيره ، و لا ينجو من وزره بغير عمله .

yousco1@yahoo.com







  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :