كان عمري عشر سنوات عام ١٩٣٨؛ عندما وعيت عمان وعيا كاملا ؛ عرفت حدودها الوسطى من حي المهاجرين غربا حتى عين غزال شرقا؛ ومن جبل عمان شمالا حتى حي ألآشرفيه جنوباً.

كان لنا ولا يزال بيتين من اربعة طوابق. وكان يسكن فيها شاعر العروبة مصطفى وهبه التل " عرار "؛ ودوله السيد وصفي التل ؛ ودولة السيد احمد اللوزي؛ وطوباس الأرمني؛ وقد عشنا معا وكاننا اسره واحده.

بجانبنا كان المستشفى الايطالي وبجواره مباشره المديد من الأشجار المثمرة بشتى أنواع الفواكه؛ العنب الأخضر؛ والاسود؛ والتفاح؛ والنجاص؛ والبطيخ؛ والشمام؛ والخيار؛ والفقوس؛ مما يغرينا بغزوه بين الحين والحين؛ مع تسامح الممرضات ألإيطاليات اللواتي كن يسخرن منا بلهجة الأجنبي المضحكه .

كانت مدرستنا الثانويه في جبل عمان. وفي عام ١٩٤٠ انتقلت إلى قلب المدينه ؛ بين الجامع الحسيني وسينما البتراء ؛ تلك السينما التي كانت الوحيدة في المملكة. كان من أساتذتنا سعيد الدره ؛ ويعقوب هاشم ؛ وحسني فريز ؛ ويوسف الجيوسي. وكان الضرب على اليد بالخبرزانه مسموحا ؛ ولكن نادرا ما يستعمل. وفي منتصف النهار يسمح لنا بشراء وجبة الفلافل الشهيره ؛ وثمنها قرشان ؛ وكانت رياضاتنا في الحركات السويدية ؛ وكرة القدم ؛ وكرة السله ؛ والكره الطائرة.

كانت أسرتنا تعيش. عيشه رضيه بسبب حنان وعطف والدتي؛ التي كانت رحمها الله من أسرة الأمير عبد القادر الجزائري ؛ وكانت تتمسك بدينها حتى حفظت معظم القرآن الكريم عن ظهر قلب؛ وكانت تصر على أن يتمسك أبناؤها الأربعه ؛وبناتها الخمسه بدينهم وتقاليدهم العربية الأصيله . كانت والدتنا تصر على أن الإنسان بلا شرف وكرامه وعزه نفس ؛ إنسان بلا حياء؛ ويصبح جسم من لحم وعظم ودم؛ يستغله الآخرون لصالحهم. وكانت راعية حنونة ننعم بما تقدمه لنا من مختلف الرز واللحم والدجاج والسمك والمقليات والمخللات والمشويات والمسلوقات والمناسف والبرغل ومرقة العدس والفريكة وغير ذلك كثير.

كان من أعز الأصدقاء: جمال خوتات؛ وجلال خوتات؛ وتركي حسين؛ وجميل قعوار؛ وسميح ملحس؛ وغازي الخطيب؛ وعكاش الزبن؛ ونجيب ألفاخوري؛ ويوسف الزعمط؛ وسليمان ايوب؛ وفي ذلك العهد كنا نحتفل بالأعياد الدينيه ؛ وبعيد الثورة العربية الكبرى؛ وعيد استقلال الأماره . وعيد الجيش العربي.

لن أذ كر ما يلي عن الشباب الآخرين ؛ ولكنني بين الحين والحين كنت أغازل بعض فتيات حي الأشرفية المحافظات. وكان غزلي خطابا ؛ مثل: دخيل الله ؛ يا عيني؛ أموت ؛ حني علي ؛ يا روحي ؛ وغيرها.
طبعا كانت الإجابات شديده وأحيانا مخيفه: إخرس ؛ سنحك ؛ إستحي ما لك خوات ؛ ول عليك ؛ وإحداهن إشتكت أمها لوالدتي ؛ وهنا عاقبتني والدتي بمنع مصروف الفلافل عني وتهديدي بأهل الفتاة وعقوبتهم التي قد تكون الموت ؛ فامتنعت عن الغزل .

كانت العشائر والقبائل والأحياء مجتمعات مدنية متحابة ومتعاطفة ومتعاونه ؛ فإن توفى أحدهم يساهم أعضاء مجتمعه في جنازته ؛ ويحضرون دار عزائه ؛ ويقيمون المآدب تكريما وإسنادا لأهله. كما كان الزواج والأعراس من نفس المجتمع ؛ واحتفال طهور الأطفال المسلمين سيرة كريمه ؛ وتهاني المسلمين بأعياد المسيحيين ؛ والمسيحيين بأعياد المسلمين واجب أخوي وطني يشد روابط المجتمع الوطني الأردني

ومنذ ذلك الحين والمجتمع الوطني الأردني يدين للأسرة الهاشمية النبيلة ؛ أسرة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بالثقة التامه ؛ وحسن العاطفة الدائمه ؛ والطاعة في سبيل الله والوطن الحبيب.