لعلي كنت من المتابعين لقانون الضمان الاجتماعي ومنذ لحظة إصداره مرورا بكافة المحطات التي حط رحاله بها، إلى أن تم إخراجه إلى حيز الوجود بمسرحية هزلية رديئة شارك فيها ممثلون حسب الأدوار المرسومة لهم كممثلين ثانويين لا يمكنهم الخروج عن النص ولعب دور البطولة، فهم لم يعتادوا على ذلك أبدا ولم ولن يكون بمقدورهم الخروج من عباءة سيدهم، وإن كان بعضهم يدعي ذلك فهو في قرارة نفسه يعرف ويعترف بأنه مجرد حجر على رقعة شطرنج تحركه أصابع مشبوهة لمصلحة خفية.

ولا ادعي أنني كنت في الميدان لوحدي، فقد سبقني إلى ذلك، الجمعية الأردنية لمتقاعدي الضمان الاجتماعي التي بذلت من خلال منتسبيها والقائمين عليها جهودا جبارة في محاولة منها للتوافق على قانون يلبي طموحات المتقاعدين ويحمي أموال المؤسسة من النهب والفساد الذي لحق بها وما زال يلوح في الأفق، وقدمت في سبيل ذلك الكثير من وقتها وجهدها، وقبلت على مضض بكافة التعديلات التي تم الاتفاق عليها من باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه والقبول بأقل القليل حرصا منها على مصالح المتقاعدين والمؤسسة على السواء، إلا أن إرادة الغطرسة والدهاء السياسي تمكنت مرة أخرى من التفوق على منطق العدالة الاجتماعية الذي تنادي به الجمعية.

أما وقد تم إقرار القانون بهذه الصيغة وهذه الطريقة المعيبة، فان السؤال الذي يدور الآن، من هو الرابح ومن هو الخاسر جراء هكذا قانون؟

هل هو المتقاعد المبكر، أم المتقاعد على المدى الطويل، أي بعد سن الشيخوخة، أم الأشخاص الذين أقروا القانون والمرتبطة مصالحهم مباشرة بهذا القانون؟

بالتأكيد سيكون الخاسر الأكبر هو المتقاعد الذي لن يجد راتبا يسد الحد الأدنى من حاجاته وسنراه يصطف مع جموع المحتاجين أمام وزارة التنمية الاجتماعية بحثا عن معونة طارئة يسد بها عورة جوعه وفقره، هذا أن بقيت هذه الوزارة على قيد الحياة، أما الرابح الأكبر فهم فئة محدودة اعتادت مد يدها على جيوب الآخرين ثم بعد ذلك يمنون عليهم بقليل من الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

إن الطريقة المشبوهة والمشوهة التي أقر بها القانون تشي بشيء خفي، فكلنا سمع النقاش الذي تم في بداية الجلسة المشئومة والتي ستبقى وصمة عار في جبين النواب إلى يوم الدين، وكلنا سمع وشاهد كيف أديرت الجلسة بطريقة مهدت الطريق لمرور القانون كما تشتهي الحكومة وأزلامها، مثلما منحت العذر للنواب المعارضين للقانون للانسحاب من تلك الجلسة حفظا لماء وجوههم، وقد تناسى البعض منهم أو تجاهل عن سبق وإصرار حقوق المواطنين المتضررين من القانون، وأظن وليس كل الظن إثم أن هذا كله كان بترتيب متفق عليه مسبقا بين كافة الأطراف، وكان على النواب عدم الانسحاب وهم يعرفون مسبقا أن هناك أمرا دبر بليل، وكان الأجدر بهم الحضور ورفض القانون وتأجيله إلى دورة قادمة بحيث يصار إلى تقديم قانون عصري جديد يلبي الطموح تتوافق عليه جميع الأطراف.

نعم، هناك جهات لها مصلحة كبرى في عدم إقرار قانون عصري يحمي المؤسسة والمتقاعد من عبث الأيادي الخفية حتى يبقى هذا الكنز بمتناول أيديهم بعد أن أُفرغ الوطن من كل السلال الرابحة ولم يبقى أمامهم إلا الدجاجة التي تبيض ذهبا للانقضاض عليها، لذلك تم الدفع باتجاه تسمينها أولا من خلال الزيادات التي طرأت على نسبة الاقتطاع، تمهيدا للسطو عليها.

الدلائل على ذلك كثيرة ولا يمكن حصرها، فقضية تمويل السفارات في الخارج ما زالت تلقي بضلالها على أموال المؤسسة، والقضية المرفوعة على المؤسسة فصل من الفصول التي ستبقى مخفية ولن يتسرب عنها أكثر من النفي، شأنها شأن الكثير من القضايا التي تم لفلفتها، فمن يعتقد أو يصدق أن هناك جهات ترفع قضايا على مؤسسة الضمان دون وجود سند قانوني، فاعتقد إما أنه غبي أو جاهل أو لا يعرف بأمور الحياة شيئا.

هذه المعطيات وغيرها، تشي بان هناك أمر يدبر بليل لهذه المؤسسة، وما يؤسف له أن السادة نواب الأمة قد شاركوا بهذه المسرحية الهزلية من خلال انسحابهم ومنحهم السوط للفئة الباغية لجلد الشعب واهمين أنهم بذلك منحوا العذر والحجج الواهية لأنفسهم.

نقول للسادة النواب ومن خلفهم الأعيان وكل الموافقين على هذا القانون، لقد كسبتم معركة، إلا أنكم خسرتم أنفسكم أولا، وقواعدكم ثانيا- إن كان لكم بالأصل-، لكن الطريق طويل، والحرب مستمرة، فما زال هناك مرحلة من المراحل الدستورية للقانون، ثم بعد ذلك لكل حادث حديث، فمهما طال أمد الظلم والظلام، فان الفجر لا بد له من بزوغ والشمس لا بد لها من سطوع، وان غدا لناظره قريب.