من يعتقد أن الحرب على غزة سببها المباشر هو اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم من قبل مجهولين فهو واهم , فالمتابع لتطورات الاحداث وما رافق تلك الحادثة من ردود أفعال , يلاحظ عدم اعلان أي فصيل فلسطيني مسؤوليته عن العملية , وما ذلك الا بعضاً من دسائس وحيل وجرائم الصهيونية على يد ذراعها المخابراتي من اجل افتعال وسيلة لضرب الصلح الذي تم مؤخراً بين فتح وحماس لإعادة اللحمة الوطنية الى النسيج الفصائلي الفلسطيني بتوحيد السلطة وتشكيل حكومة جديدة تشمل كافة الاطياف والفصائل وازالة كافة الحواجز على حدود الضفة الغربية وغزة , فقد كان ذلك تباشير خير للحمة الفلسطينية من اجل حل الخلافات والتوحد على المصير والبدء ببناء سليم للدولة الفلسطينية المنشودة , وحينها تابعنا شدة الاجراءات الأمنية من سلطات الاحتلال وتغول المستوطنين والمتطرفين اليهود وتحرشهم المتعمد , بل ان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو خيّر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بين المفاوضات وبين الصلح مع حماس , تلك المفاوضات التي حاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري شخصياً وبدعم من الرئيس اوباما تحقيق نجاح لم يحققه غيره من المسؤولين الأمريكيين السابقين وعلى حساب الفلسطينيين بتمسكه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها متجاهلاً حقيقة أن إسرائيل تحتل أراضي فلسطينية ليست من حقها , لذلك نجد ان نتين ياهو قد صعق من اتفاق الفلسطينيين فيما بينهم , ونفذ تهديده بشن الحرب الأفظع بين الحروب السابقة على غزة وعلى حماس , والواضح ان هذه الحرب الإبادية ما هي الا ترجمة عملية لكل التهديدات الاسرائيلية بأن أي اتفاق وتصالح بين الفلسطينيين يعني إعلان حرب على إسرائيل وأن الحرب الاستباقية على غزة هي الخيار المفضل لمنع قيام دولة فلسطينية موحدة.

لكن وقائع العمليات العسكرية الإسرائيلية وفقاً لما تشتهي نفوس قادة الموت في حكومة نتنياهو قد اختلفت ، و المعادلة على الأرض تغيرت , فالعصابات الصهيونية لم تحقق أية أهداف عسكرية، أو سياسية سوى تلك النجاحات الإجرامية ضد المدنيين , غزة اليوم تمتلك عتاداً حربياً يمكّنها عمليا من المواجهة والصمود، بل وإلحاق خسائر مادية ومعنوية في صفوف الصهاينة عسكريين ومدنيين .

غزة .. استفادت بدرجة كبيرة من المعايير الإسرائيلية في الانتصار والهزيمة ، وكذلك تداعيات سقوط الصواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية المكتظة بمستوطنين هلعين , حشرتهم تلك الصواريخ قسراً في الملاجئ ، مثيرة الخوف والرعب في المستعمرات والمدن الفلسطينية بين السكان الصهانية، لتؤكد الفشل الذي مُنيت به الآلة العسكرية الصهيونية في إسكات صواريخ المقاومة ، هذا يعني لهم هزيمة , وأن تفرض غزة ايضاً ظروفاً جديدة في واقع حياة ومعيشة الإسرائيلي هذا يعني له هزيمة أيضاً.. لهذه الحيثيات وحيثيات أخرى انتصرت غزة وسوف تنتصر، غير أن العرب لن يفهموا او يدركوا هذه المعادلة , وهم بعيدين كل البعد ذلك .
اعانهم الله على ما هم فيه .. ودمتم سالمين