احمد ابو رواع .. ونداء النهايات
15-04-2008 03:00 AM
ومضى الشيخ احمد ابو رواع مجللاً بالحب والوفاء، ومحملاً بالخير، والبركة، مضى القلب الكبير، والكلمة الطيبة، والشخصية الاجتماعية المرموقة في مأدبا وما حولها، لتنعى المدينة دامعة احدى شخصياتها، والتي ستتربى اجيال تلو اجيال على ذكراه العطرة، وسيرته البينة بالخير والاصلاح، فطيب الله ذكراه من راحل ترك الخير حيث سار، وحل، وكان ورعاً مستقيماً لبى نداء ربه طائعاً في الجمعة وكان خطب الناس فوصاهم بأنفسهم، واخوانهم خيراً، وحظهم على الترافق والتوادد، والتراحم كما هو شانه دائماً يرتقي الى السماحة والرضى، ويتجلل بالرزانة والتواضع، فكانت لحظات صامتة يغادر فيها "ابو زيد" الدنيا، وتحط رحاله في الآخرة، حيث يشتاق الضامئ الى لقاء من احب.
وإنه ليحزنني ان يرحل اخي من هذه الدنيا، وان يخلف اهله ووطنه، وهو في قمة عطائه، حيث لم يملك الا ان استجاب لنداء خالقه عز وجل وترك الارض بما رحبت، ولعلها اقدار تصيبنا وقد غيبت عنا المواقيت.
وهي ساعات تدق بحتوفنا، وتحمل معها نداء النهايات، وتطوينا وتغيبنا من هذه الدنيا الفانية.
فيا ربي.. لا تردني اذا تقطعت الأسباب، وأتيتك من الظلام، وانت الملاذ الأخير، فنورك يشدني من كل مكان، وانا امشي خلف النور، فلا تحجبه عني فلا اعود اتجمع، ولا تجعل أخطائي تغلق الطريق فيهزمني الطين، إن نورك يناديني فأخرج من كل الانحاء، اسمع صوت الخلود، وأمر فوق شاهد مقبرتي، وأذكر اني سأغادر بعد قليل.
ربي إن كل مكان يذكرني بالرحيل فأدق بابك النوراني، وأذرف دمعي على قلب لا يهدأ، وروح لا تقرأ لافتة الفناء على ظهرها.
غداً سيأتون الى اثري الصغير ولن يعرفوني، فستبكي ذكراي "بدون فائدة"، ويمرون من قصتي الفانية ولا يعتبرون، فياربي كن لي الملاذ الأخير، وأقبلني إذا اتيتك وعلى قدمي اثر الخطيئة، فأنا امشي خلف النور، ولا تسرقني معزوفة الظلام من المشوار الصعب، وغداً اتصدع وانهار ككومة من تراب، وينتهي الحزن.
ما اعذب الحزن عندما يحط في النفس الفانية، وما احلى الالم وهو يدك في الجسد الهالك، فكل الاشياء مربوطة بحبل الزوال، وتمضي نحو انتهائها، "وكل شيء هالك الا وجهه"، فأمنحني من وجهك المبارك مسحة ضياء، كي اتلاشى بلا خوف، وأحزن بلا حدود، كي تهون المصيبة يا ربي اجعلني امام مرآة النهاية ارى صورتي الفانية فأدب نعي الخسوف على كل المخلوقات، ويار بي اذا اتيتك من طريقي فلا تتركني على بوابة اليأس، فليس لي مكان اذهب اليه، واجعل لي نهاية عند بابك الكبير، وامنحني منك الرجاء، وعندك الانتهاء، وإذا سويتني مع التراب فلا تدع الشوك ينمو فوقي، فشوك العمر قتل زهري، وتلوثت بالامل، فخف سيري اليك، وحملت معي التراب، ووقفت في طريقي حتى ناديتني فأنقصت وزني، ونحل جسمي، وخرجت نحو ندائك الخالد، ولما انتبهت وجدتني اجيء بيدين خاويتين فاسال ترابي الخجل، لن اتوقف وانت تناديني، وانا قدماي حافيتان، وخلفي ضجيج العالم، ونهاية كل شيء، فأقبلني اذا اتيتك بلا ملامح، واجعلني افوز بالقبول من لحظة المثول...
يا ذا الجناب، افتح الابواب، تعب التراب، وعم العذاب، والآيب عاد من بعد الغياب، في ذاتكم ذاب، قاصداً الاقتراب، همه "لقى" الاحباب، العبد تاب...
السالك جاء، قبل اللقاء، خوفه داء، ودواؤه الرجاء، فأفتح الانحاء والاضواء، ولا تشمت الاعداء، واجعل عندك الانتهاء، يا قابل الدعاء..
خيط نور يبحث عن النور، هجر الدنيا والدور، همه رضى الغفور، والوصل والحضور، وقبراً بين القبور..
اذا جاءك المشتاق، فلا تغلق الآفاق، ويكفيه ما ذاق، من حرقة وفراق، ومن لوعة واحتراق، "هو زائل وانت باق"...
افضى الى خالقه اسراره، وانقطعت عن الناس اخباره، واطفأ عقب الشوق ناره، وفي المدى ضاعت آثاره....