في محاضرة أحسن القائمون عليها في جامعة اليرموك اختيار عنوانها الدقيق "السياسية الخارجية الأردنية: الدور الدبلوماسي الأردني في مواجهة أزمات الإقليم" بدا وزير الخارجية أيمن الصفدي واضحًا للغاية في التشعبات التي تطرق إليها في حديثه عمومًا حول الأوضاع الراهنة محليًا وعربيًا ودوليًا، وكعادته لم يكن رتيبا او اعتياديا، بل تحدث بلغة مشوقة وقدم توصيفًا دقيقًا للواقع، وعرف كيف يُمعنُ في قراءة وتوضيح معالم الدبلوماسية الأردنية منذ تأسيس الدولة باعتبارها نهج أخلاقي يحترم قواعد القانون الدولي وحق الشعوب في مقاومة المحتل، وترتكز إلى ثوابت راسخة تتجاوز المصالح الضيقة إلى أفق نبل الموقف ورصانة الخطاب، مؤكدًا أن الأردن أخذ على عاتقه إسناد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة كإحدى المرتكزات في سياسته الخارجية التي يقودها جلالة الملك بثقة وحكمة وشجاعة.

الصفدي كان متعمّقًا في الطرح واستذكر جهود الأردن ورسالته التي جعلت له في معركة بقاء الأمة مكانًا لم يتخل عنه لأنه الوطن القومي العروبي والهاشمي المسلم الذي استوعب كل من لجأ اليه من الدول الشقيقة (من تهجير إلى هجرة) وهو وطن انساني فيه تعددية الأديان والطوائف وهو محكوم بروح عظيمة مثلتها قيادة آل البيت، وبذلك أعتقد أن حديث الوزير في جامعة تضم في رحابها نخبة من شباب الوطن، لا شك أن يكتسب اهمية من زوايا أخرى لعلّ أهمها ضرورة الإجابة على السؤال الأبرز، كيف سنعيد إعادة تدعيم الناشئة من أبنائنا وبناتنا بمنظومة القيم والمبادئ والأسس التي كانت واسطة العقد وقطب الرحى في مسيرة بناء الدولة وتأسيسها رغم ضعف الإمكانات وندرة الموارد إلى أن انتزع الأردنيون اعجاب القاصي والداني ممن راحوا ينظرون للأردن بلدًا يملك زمام أمر بناء مؤسساته ويقدم للمواطن خدماته ويلاحق التطور، وكل ذلك دون أن يمنَّ عليه أحد بشربة ماء أو يساومه على موقف، ولطالما دفع الأردن ثمنًا لمواقفه والشواهد على مرأى العين والبصر.

الصفدي أعاد أمام الحضور من أسرة الجامعة، التذكير بحجم الجهود السياسية والدبلوماسية والإنسانية المكثفة التي قام بها الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني في نصرة قضايا الأمتين العربية والإسلامية لا سيما فيما له علاقة بالقضية المركزية الأولى "القضية الفلسطينية" وكل تلك الجهود الملكية كانت تصبّ في حرص الدولة الأردنية الراسخ على تجنيب الشعب الفلسطيني الأعزل ويلات الإبادة والتهجير، واستهداف الأطفال والنساء والشيوخ، وبدا ذلك جليًا في حرب الإبادة الأخيرة التي شنتها اسرائيل على غزة، ودبلوماسية جلالة الملك كانت على الدوام تؤكد على حقيقة أن الاعتدال والحكمة والسلام يناط فقط بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

إلى ذلك فقد واكبت الدبلوماسية الأردنية التي قادها جلال الملك منذ تسلم سلطاته الدستورية جميع التطورات إقليميًا ودوليًا، لتخفيف وطأة آثارها على المملكة، وتؤكد الشواهد أن جلالة الملك قاد زمام المبادرة على المستوى الإقليمي والدولي، موظّفًا الرصيد الكبير من الاحترام والمصداقية لجلالته، للتوصل إلى حلول عادلة للقضايا العربية خاصة في فلسطين والعراق وسوريا. ونجح كثيرًا جلالته في إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة السياسة الدولية إذ يكاد يكون جلالة الملك هو القائد العربي الوحيد الذي ما زالت خطاباته وأحاديثه ومقابلاته الصحفية تتضمن الحديث بشكل واضح وصريح الإشارة إلى القضية الفلسطينية والمقدسات، ولنا في موقفه المشرّف من قرار الإدارة الأمريكية بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل خير دليل على صحة ما نذهب إليه.

عمومًا، فإن استضافة جامعة اليرموك لشخصية رجل دولة وازن بحجم معالي أيمن الصفدي للحديث حول شأن من الشؤون الأردنية، يشي بأن الجامعة تدرك حقيقة رسالتها تجاه أبنائها، وهي المعنية بإعداد وتربية النشء على القيم الوطنية الأصيلة خاصة وأن الطلبة من جيل الشباب المطلوب منهم معرفة رسالة الأردن وقيادته الهاشمية خاصة في ظل حملات الافتراء والتشويش التي يحاول الكثيرون استثمارها في التقليل من شأن دور الأردن في التصدي لكل الاعتداءات التي حلّت بالأمة.