رد على بسام العموش *د. فراس المجالي
18-03-2015 12:15 PM
لا شك أن المرحلة التي يمر بها الأردن والمنطقة ككل هي مرحلة صعبة على مختلف الأصعدة، ورياح التغيير إلى الأسوأ تعصف ببعض الدول العربية حولنا، كيف لا والتنظيمات الإرهابية قد سيطرت على محافظات ومدن بأكملها وبسطت نفوذها التام فيها، مع ما رافق هذا من قتل وذبح واستباحة لدماء المسلمين وأعراضهم وممتلكاتهم، وقد وصل شرر وشرور هؤلاء الطَغام الفاسدين إلى أبنائنا وامتدت يدهم الغادرة الظالمة لابن الأردن البار النقيب الطيار معاذ الكساسبة رحمه الله لتقتله بدم بارد وبطريقة بشعة.
وبينما استيقظت العديد من المؤسسات والمنظمات في الأردن من سباتها الطويل وطفقت تقيم الندوات والمؤتمرات وتنشر البحوث والدراسات لتحليل ظاهرة التطرف والغلو والتكفير الشمولي ووضع الخطط والاستراتيجيات لمواجهتها، كانت جمعية الثقافة العربية الإسلامية - هذه الهيئة الثقافية الإسلامية الوطنية المستنيرة المعتدلة- مستمرة ونشطة في السير على المنهج التوعوي الذي اختطته منذ تأسيسها قبل ما يقارب 20 عاما وتصاعدت وتيرته عاما بعد عام، بصيانة العقيدة والفكر الإسلامي من العابثين، وتعرية المناهج الفكرية المتطرفة ونقض عراها وفضح رموزها ومنظريها أمام أبناء المجتمع وبيان مدى انسلاخها عن المنهج الإسلامي السني السوي، لا لتحصيل منصب أو كرسي أو غير ذلك من الأعراض المادية أو الأغراض الدنيوية، وإنما قياما بواجب شرعي يستفاد من قول الله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى متى ترعون عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس).
وعلى مدى سنوات عمل الجمعية شهد القاصي والداني من "المنصفين" لها بأنها واحدة من أبرز منابر الوسطية والاعتدال ومن أهم صمامات الأمان "الفكري" في المجتمع الأردني، فتجمع حولها الآلاف من أبناء الوطن من شمال المملكة إلى جنوبها لوضوح خطابها، و جهدها الملحوظ في نصرة الدين .
نعم فجمعية الثقافة العربية الإسلامية ومنذ تأسيسها صرحت وبشكل واضح - وهذا ما يرى جليا في منشوراتها ونشاطاتها وفعالياتها - بأنها استقت منهجها من كتاب الله عزّ وجل وسنة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وما قرره علماء الإسلام أهل السنة والجماعة أصحاب المذاهب الإسلامية المعتبرة، كالإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك رضي الله عنهم، تحب نبيها صلى الله عليه وسلم وتدافع عنه وتنصره، وتحب زوجاته أمهات المؤمنين وتترضى عنهن، وتحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدافع عنهم لا سيما الخلفاء الراشدون أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، فلا تحصر الإسلام بها - كما فعلت الكثير من الفرق اليوم - بل تعتبر نفسها فئة من المسلمين لا تتبع منهجًا جديدًا ولا فكرة مستحدثة إنما هي على المنهج الذى ينتسب إليه مئات الملايين من المسلمين؛ أشعرية شافعية، أشعرية من حيث العقيدة وهي عقيدة جمهور المسلمين، وشافعية من حيث الأحكام العملية مع الاعتقاد بأن أئمة المذاهب المعتبرة أئمة هدى، وأنّ اختلافهم في فروع الأحكام رحمة بالأمة.
بعد ما ذكرته آنفا أقول: إن ما ساقه د. بسام العموش في مقاله الصادر بتاريخ 13/03/2015 تحت عنوان (الأردن والجماعات الدينية)، والذي تطرق فيه إلى فكر جمعية الثقافة العربية الإسلامية وطلاب الإمام الحافظ المحدث المجتهد الشيخ عبدالله الهرري المعروف بالحبشي رحمه الله أو كما ساغ له تسميتهم (الأحباش)، قد جاء بصورة طعن مبطن و"اصطياد في الماء العكر"، محاولا -وبطريقة شديدة الابتذال لا تنطلي على العقول الواعية- إقناع القارىء بأن جمعية الثقافة العربية الإسلامية - هذا المنبر الوسطي الوطني الشامخ - تمثل خطرا على أمن الأردن وأمانه، فجاء تصويره بعيدا عن الحقيقة ومجانبا للحق ولا يمت بصلة لقواعد الأمانة الشرعية والعلمية في النقل، يدل على ذلك أن الكاتب المذكور بنى افتراضاته ومزاعمه على جهل واضح بالجمعية ومنهجها، ناهيك عن افتقار مقاله كليا إلى أي توثيق أو مرجعية، وكان من الأحرى به قبل أن يصُفَّ كلامه ويسارع بنشره واقعا في التخبط، أن يتحرى الصواب ويتثبت من المعلومة من أصحاب العلاقة، وهذا ما لم يفعله قط.
فسار في مقاله على منهجية بعيدة كل البعد عن المنهج القرآني القويم المتمثل في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
ختاما أقول: إن أمثال هذه المقالات يا دكتور بسام ليست إلا مدعاة لبث الفرقة والتباغض بين أبناء هذا البلد المعطاء، ونحن في مرحلة نحتاج فيها كما قال جلالة الملك في خطابه الأخير إلى التضامن والترابط والوقوف صفا واحدا حتى نتجاوز المحن التي تعصف بنا من كل جانب بإذن الله تعالى.
حفظ الله أردننا من كيد الكائدين وشر العابثين .