زيارة رئيس الوزراء الهندي للأردن
د. جواد العناني
14-12-2025 11:57 PM
بدعوة من حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني يصل رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" إلى الأردن، حيث سيمضي يومي 15 و16 من هذا الشهر في المباحثات والمبادلات مع كبار المسؤولين. وتأتي هذه الزيارة، ضمن جولة تشمل ثلاث دول. وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها الأردن خصيصا، علما أن جلالة الملك زار الهند مرتين سابقاً كان آخرها عام 2018.
في مقال نشره سفير الهند الأسبق في الأردن السيد "أنيل تريجونايات" بعنوان "الزيارة الفارقة للسيد مودي الى الأردن: صياغة علاقات أعمق والسعي نحو السلام في غرب آسيا وسط الغليان". و المقال شمل كل ما يجمع الهند والأردن من قواسم مشتركة مثل حب السلام والسعي له، والعلاقات التجارية وتوسيعها خارج الفوسفات والبوتاس، وزيادة الاستثمارات وتنويعها خارج الأسمدة والملابس.
ولكن المشروع الذي قد يكون محط اهتمام جلالة الملك هو (IMEEC). أو الطريق الاقتصادي الرابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. والأصل في هذا الخط أنه سيأخذ مساراً معاكساً تماماً للذي اتخذه الاسكندر المقدوني عندما خرج من اليونان إلى مصر والأردن ثم إلى بلاد فارس فالهند، سعياً منه لتوحيد العالم كما درسه أستاذه "أرسطو".
وفي العام 2024، وأثناء إجراء الانتخابات البرلمانية (لوك سابها)، دعيت الى إلقاء محاضرة في ولاية راجستان الجميلة أمام مئتي شخصية من الحزب الحاكم "جناتا".ودار بيننا جدل حول حكومة الرئيس مودي، وتعصبها ضد المسلمين في الهند، ومواقفها الداعمة لإسرائيل على خلاف رؤساء الوزراء الآخرين الذين سبقوه. ولكن الاجابات جاءت مهذبة تقول "نحن في الهند بحاجة الى بناء هوية جامعة. فنحن لدينا مئات اللغات واللكنات، وعندنا مئات الأديان والطوائف، ولكننا في الغالبية نحن هندوس، وعلينا أن نجعل الهندوسية هي السمة الغالبة. ولذلك لا نستطيع أن نسمح لأي مكون غير الهندوسي بأن يتجاوز 20% من مجموع السكان" فقلت لهم أنتم تديرون ميناء حيفا، واسرائيل سعت لمنح تلك الادارة للصين، ولما ضغطت عليها الولايات المتحدة، وانسحبت اسرائيل من عقدها مع الصين، واختارت شركة من شركاتكم لإدارته، وإسرائيل ترتكب الآن (العام 2024) المجازر البشعة في قطاع غزة، وانتم كدولة من اكبر اقتصادات العالم ولكم مصالح كبرى مع العالم العربي، تقفون مكتوفي الأيدي صامتين.
وبسبب عدم تحقيق النتائج المتوقعة من الانتخابات، بدأ رئيس الوزراء الهندي يُغير من لهجته، وهنا يتبين دور جلالة الملك في بناء علاقة مع الهند وقادتها وحتى أحزابها بما في ذلك حزب "جاناتا" الحاكم وحزب الكونغرس الذي تراجع موقفه علماً أنه كان المسيطر لسنوات ومن خلال أسرة نهرو وغاندي على الحكم. فالملك عبدالله الثاني يعلم ما للهند من اهمية. فهي قوة اقتصادية كبيرة، وقدرات تكنولوجية متطورة، وجامعات متقدمة خاصة معهد الهند للتكنولوجيا الذي أصبح الآن (23) جامعة في مختلف مناطق الهند، وتخرج طلاباً مؤهلين تأهيلاً عالياً ما عزز مكانتهم في مجال تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. وللهنود ايضاً بصمات واضحة في مجال المال وإدارة المحافظ المالية، ولهم مواقع مهمة في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وشرق افريقيا. وهي مناطق تهمنا جداً في الأردن بسبب قربها منا.
ويعلم جلالة الملك أن أي اصلاحات تدخل على الأمم المتحدة، سوف يكون للهند نصيب وافر فيها، وفي مؤتمر قمة العشرين الذي عقد في الهند في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2023، ذكر الرئيس الأمريكي "جو بایدن" ان نظام مجلس الامن يجب أن يتبدل ليشمل دولاً لا يجوز ألا تكون اعضاء دائمة فيه، وذكر الهند تحديداً. والهند تسير نحو احتلال المركز الثالث مكان اليابان كقوة اقتصادية عالمية.
أنا واثق أن الديوان الملكي العامر يجري البحوث ويجمع الأفكار التي يمكن ان تطرح على السيد مودي. ولكن هذه التقارير لا تغني عن تجربة القائد ومعرفته بأمور دقيقة تجعله يختار الأولويات بعناية، ويتخير اللغة المناسبة بدقة، ويجول في الأفكار الهامة والحساسة بمهارة عالية.
الهند واليابان دولتان مهمتان جداً، وقد زار جلالته اليابان في جولته الآسيوية الأخيرة هذا العام، والآن يستقبل رئيس وزراء الهند، وهذا يثبت ادراك جلالته للمستقبل، وان آسيا هي بيضة القبَّان في الاقتصاد والسياسة الدوليين. ولو أضفنا إليها حسن علاقاتنا مع الصين وفيتنام واندونيسيا والباكستان، فسنعلم أننا نبني استراتيجية لاستقرار الأردن ومنعته. هذا الموقع المحترم الذي أسس له الهاشميون قام على الخلق السوي والعدل بين الناس، والتصدي للظلم والإجحاف، والذي سيكون عوناً ومعيناً لنا على مواجهة ودحر المتطرفين القتلة من اعدائنا في اسرائيل أو غيرها، والذين يتكلمون عن الأردن بغرور وغباء وكأنه طوع بنانهم. الأردن بشعبه وأرضه ونظام حكمه الهاشمي هم الدرع القوي الذي يحمي حصانته ومنعته من كيد الكائدين وأطماع الطامعين، ويوصلنا إلى الطريق الأمثل للمساهمة الكبرى في تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الحياة الأفضل والاستقلال المنشود.
"الرأي"