مدينة العقبة كما لم ترها عين الحكومات من قبل ..
19-05-2008 03:00 AM
عمون ـ محرر الشؤون المحلية
تبقى المحافظات في المملكة هي الأقل حظا في التغطية الإعلامية الخبرية في جميع وسائل الإعلام ، رغم وجود بعض المندوبين لعدد من المؤسسات ، وهذا ما يترك الباب مغلقا عن الكثير من الأزمات الحياتية التي يعيشها الآلاف من أبناء الأردن في مختلف مواقعهم ومحافظاتهم ، ولعل مدينة العقبة تعتبر من أهم المدن الجاذبة ، وأكثرها لفتا للنظر ، فهي الشاطىء الوحيد للمملكة ، وخليجها يعتبر المتنفس الوحيد بحريا وتجاريا ومواصلاتيا نحو العالم عبر وسائل النقل البحري .وقد تحولت مدينة العقبة التي كانت فيما مضى تتبع إداريا لمحافظة معان ، قبل ان تعلن محافظة مستقلة ، وصدر قانون خاص تحولت بموجبه الى منطقة اقتصادية خاصة عام 2001 ، حيث استقلت منذ ذلك التاريخ بجميع قراراتها وخططها ، واستطاعت ان تطبق الإدارة اللامركزية بعيدا عن سلطة الحكومة الاردنية المباشرة أو تداخلات الوزارات المعنية ، وهي بذلك وصلت الى اتفاقات لتوزيع الأدوار بين الإدارة الوزارية وسلطة منطقة العقبة لتطبيق القرارات وتنفيذ الخدمات .
وإن كانت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة قد أشُبعت إبرازا وتلميعا لإنجازاتها بناء على استقطابها للاستثمارات ، وهذا لا تنكره عين ، في مختلف وسائل الإعلام ، فإن حديث الشوارع الخلفية للمدينة والأحياء المهملة ، وتردي أحوال المواطنين ، لم تجد من يسعفها ، على الرغم من صعوبة الخوض في تفاصيل المعاناة الحقيقية للمواطن الأردني بشكل عام في ظل ارتفاع تكاليف الحياة وتراجع مستوى الخدمات المقدمة له بناءا على أسماء الأحياء أو تقسيمات الحياة الشخصية للمواطنين .
عندما بدأت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بالشروع في تنفيذ مخططاتها لتحسين الوضع في المدينة الساحلية ، كان يدور في خلد منظرّيها أن تستقطب استثمارات تصل حتى العام 2020 الى 6 مليارات من الدولارات ، وهذا في المفهوم العادي لم يكن سيحصل إن لم تتطور الخدمات في البنى التحتية والجمالية للمدينة ، وتقديم التسهيلات والحوافز للمستثمرين ، وهذا ما حدث بالفعل ، فقد وصلت الاستثمارات حتى عام مضى الى 8 مليارات خلال سبع سنوات من انطلاقتها ، وتركزت الاستثمارات بالمشاريع السياحية في غالبيتها ، وامتدت خارطة المنطقة الى مساحات أبعد مما كانت عليه من قبل ، لتضم مجددا عددا كبيرا من السكان ،و أراض جديدة قابلة للتطوير والتأهيل ، ومن يركز في النظر الى شقها الغربي سيرى مدى التطور الذي وصلت له بعد سنين قليلة من العمل ، كما ان المظهر الداخلي لشوارعها يبدو أجمل في كل مرة عما يحدثك به الزائر الذي سبقك ، فالنظافة ، والتزيين ، والتشجير ، والتعبيد ، تحظى به عدد من الشوارع الرئيسة وخاصة في منطقة الشاطىء ومنطقة الفنادق ، وهذا يدعو الى المزيد من العمل لشمول باقي مناطق المدينة بالاهتمام الشامل ، وعدم الازدواجية في التعامل ، وذلك من أجل الارتقاء بالمستوى التنافسي مع مدن سياحية قريبة جدا ومنافسة جدا لمدينة العقبة ، وللمزيد من الإيضاح ، كانت " عمون " تسترق النظر بين الأحياء المهملة ، التي تنادي بمطالب التحسينات ، وإنصافها إسوة بمنطقة الاستثمارات والمنطقة التجارية
الشلالة .. فقر .. وبطالة .. وتجارة مهربات : ـ
ماهي سوى دقائق معدودة حيث تأخذك السيارة الى الأحياء الخلفية ، لتشاهد النقيض المؤسف ، وكأن المشاهد التي تراها العين ليست سوى صور لا تزال ملتصقة بالذاكرة تعود بك الى عشرات السنين في تلك المنطقة .
فمنطقة " الشلالة " الشعبية كما رصدتها " عمون " لا تزال رغم تطور العمران في الجهة الغربية من المدينة تتعانق هي وسكانها مع الفقر والاكتظاظ المخيماتي ، فالشوارع أزقة ، والبنية التحتية مهترئة ، وقطار عربات تحميل الفوسفات يعبر الحي مثيرا الغبار حول السكة ، وتعلوه سحب طائرة من غبار الفوسفات المتطاير عبر هواء الحي .
يقول " سلامه " لـ "عمون " وهو أحد القاطنين هناك : .. هذا حي منسي ، فلا السلطة تهتم به ، ولا الحكومات السابقة للسلطة اهتمت ايضا به ، كما ترون ، فإن سكانه هم خليط ، ويعتمدون على بيع البضائع ، وبيع الوقود المهرب ،والسجائر ، وهناك عدد من أرباب السوابق ، والمتاجرين بالممنوعات يندسون وسط مساكن الحي .. الناس هنا يخافون من المشاكل ، ويهتمون بتوفير متطلبات الحياة ، ونحن اصبحت مهمتنا فقط هي التكاثر .
وعن العمل في المشاريع يقول " سلامه " ..: العمل ..؟ أي عمل ؟ يعني بتفكيرك هل يستطيع المواطن ان يعمل في مشروع استثماري وصاحب المشروع يمتلك موافقات على استخدام 70% من العمالة الوافدة واحيانا 100% وبأرخص الأجور ، المشاريع هذه ليست لنا ، واذا فيها خيرات نحن محرومون منها .
وعن أمانيه يقول سلامه : " نفسي لما يجي مسؤول الى العقبة ما بيروح للفنادق ولرئاسة السلطة ويسمع عنا من هناك ، نفسي يجي علينا لهون ، ويشوف أحوالنا ، وأحوال أولادنا ، يا راجل والله عيشة نكد "
الخزان .. إطلالة الفقر على البذخ .. : ـ
من عيشة النكد ، والأماني الطويلة في الشلالة ، انتقلت " عمون " للعبور في بطن الجبال المنتصبة سوادا شرق المدينة ، حيث حي " الخزان " كما يسمى .. فإطلالته على المدينة تجعل العقل يفكر السؤال : لماذا لم يستغل الموقع ليكون على مستوى الإنجاز الذي تتشدق به الإدارات .. فالأطفال هناك كأنك نزعت وجوههم من صخور الجبال السمراء ، يستغلون المساحات الترابية المليئة بالحجارة والحصى ليمارسوا هوايات لعب كرة القدم ، وعندما حاول أحد الزملاء دغدغة متعتهم بمشاركتهم اللعب ، بلمسة يتيمة من قدمه للكرة ، ذهبت تطارد الانحدارات ، والطفل يطاردها ، ولا ندري هل ادركها حتى الآن أم انها لا تزال تتدحرج هربا من عيشتها في ذلك الحي المقفر ، إلا من أحلام أهله ، التي يمارسونها من على أسطح منازلهم ذات الألوان المتعددة حسب أذواق ساكنيها .
في نهاية الحي الذي يذكرنا بالمساكن العشوائية في المدينة المصرية ، هناك حي آخر ، مبانيه من الصفيح ، وهو ممتد عبر واد قادم من خلف الجبال ، من يراه يتأكد له إن أول سيل عرم سيأتي عبره ، سينقل تلك المساكن وأهليها الى ضفاف الضياع ، والمحظوظ منهم من تعلم السباحة ، ليخرج من بحر العقبة .. ويلاحظ أمام كل " براكية زينكو " وهو كوخ الصفيح ، مجموعة من الماعز ، ورجل وعائلته يفترشون الأرض ، غير عابئين بما تحمله السفن ، وما تحط به الطائرات في المطار وما تستقبله المدينة من زائرين وسائحين ومستثمرين .
يقول " سامر " وهو أحد سكان مدينة العقبة .. هؤلاء الناس هم مواطنون لا يملكون شيئا ، وبعضهم هرب الى هذه الأماكن ليجد له مأوى ، وهناك البعض ممن جاء الى تلك المنطقة طمعا في تعويض ، فالبعض ممن كان واضعا يده أو ساكنا في تلك المنطقة ، قامت السلطة بتعويضه حتى يخلي مسكنه ، ويخرج من هناك ، وعندما علم بعض الفقراء ، جاؤوا الى هذه المنطقة طمعا في تعويضات او بدل .. وهذا لا يعني إنهم ليسوا بحاجة ، فهؤلاء هم طبقة معدمة ويعيشون على هامش الحياة .
سألنا " سامر " عن ظاهرة جلوس الشباب في المقاهي ، وتسكع الكثيرين في مناطق كانت المفروض ان تكون مخصصة للسائحين والعائلات ، فقال :
إن قانون الاستثمار يعطي المستثمر مزايا ، واهمها استقدام العمالة الوافدة ، لتصل في حدودها الدنيا الى 70 بالمائة من العمالة غير الأردنية ، ولكن واقع الحال أظهر عزوف المستثمرين عن توظيف أبناء العقبة أو العمالة الاردنية ، فكما ترى فإن العمالة الرخيصة القادمة من بعض دول شرق أسيا هي الغالبة في كثير من مشاريع المدينة ، وخاصة السياحية منها ، فعمالها جميعا من الخارج ، الضرائب لا تكاد تذكر ، ولا ندري لماذا لا ينصف العامل المحلي .
ويعتقد " سامر " إن تدني رواتب العمال الآسيويين هو الدافع لدى أرباب الاعمال لتفضيلهم .. ويؤكد إن الرواتب التي تقل عن 100 دينار لا يقبل بها احد هذه الأيام ، لذلك فإن الكثيرين من الشباب يحاولون الاستفادة من قطاع السياحة في المدينة .
شواطىء غير مؤهلة : ـ
يستغرب المرء من عدم وجود شواطىء عامة تخدم الأهالي ، والزائرين من غير الميسورين ، ففي جولة " عمون " في منطقة الشاطىء ، لم نجد شاطئا مؤهلا يرتقي الى مستوى الشاطىء الصحي والمكتمل لشروط السلامة العامة ، خاصة مع انتهاء زمن التخييم ، وتغول الفنادق الكبيرة على الشاطىء المحلي ، وبيع منطقة الميناء القديم لشركة خليجية .
فالمكان الوحيد المتاح للناس العاديين وغير المقتدرين ، ليس بالمكان الذي يترك بصمة جميلة في الذاكرة ، فهو بحاجة لإعادة تأهيل ، وعمليات تنظيف للشاطىء ، ومراقبة دائمة للمتجولين هناك .
" عادل " عامل .. يقول : يأتي كثير من الناس الى هنا لعدم قدرتهم على الذهاب الى شواطىء الفنادق التي تكلف على الأقل 25 دينارا الدخول الشخص الواحد ، وحتى الفنادق الكبيرة لا تسمح بالدخول إلا لزبائنها ، مع انها باهظة الأسعار والتكاليف ، فمدينة العقبة كما يقول "عادل " ليست سياحية شعبية ، بل هي سياحية للنخبة ، ولا تتخيلوا ان اهلها يستمتعون بالتنزه على البحر كما هو الحال في السابق ، فالبحر اصبح بعيد جدا عن الكثيرين منهم كبعده عن العاصمة عمان .
الاستثمارات تحولت عن مسارها : ـ
عندما انطلقت فكرة العقبة الخاصة كقبلة للاستثمارات ، كان التفاؤل هو سيد الموقف ، فجلب المزيد من الاسثمارات سيساعد في زيادة الدخل القومي ، ويفتح آفاق للعمل المحلي ، وينشط السوق ، وينمي مبدأ المنافسة ، ولكن البعض يرى غير ذلك حسب النتائج التي كان المفروض ان تظهر تحسن الواقع عما كان عليه من قبل :
"خلدون " وهو تاجر .. يقول : لا .. لم نستفد .. فالأراضي وخاصة الشواطىء بيعت بمبالغ زهيدة ، واليوم أصبح ثمنها بالملايين ، ثم إن عدد من المشاريع قد تحولت أهدافه ، فمنها من قام على أساس توفير بيئة سياحية تخدم جميع طبقات المجتمع ، وقدرات المواطنين والسائحين حسب امكاناتهم ، ولكن ما ظهر عكس ذلك ، فقد توقف بناء الفنادق ، وتحولت خطط بناء المنتجعات الى خطط لإقامة شقق تجارية ، تباع للأثرياء والمقتدرين ماليا ، وهذا يحصر الفائدة بين أصحاب المشاريع الذين تمتعوا بكل مزايا الانعتاق من الضرائب والجمارك وتوفر الإعفاءات ومنح التسهيلات ، وبين أثرياء جاء معظمهم من خارج الوطن ، والبقية من خارج منطقة العقبة ، ولم يستفد أبناء المدينة من أي نتيجة لأي مشروع ، كما لم تستفد خزينة الدولة تلك الفائدة التي تذكر .
أجواء المنافسة بين العقبة وغيرها : ـ
ولا يزال الحديث مع "عمون " لخلدون .. متحدثا عن أجواء المنافسة ، فيقول :
لا تستطيع العقبة ان تبقى في سباق المنافسة مع غيرها من المدن التي تشاطرها شواطىء البحر الأحمر ، كشرم الشيخ وإيلات وطابا وغيرها ، فالعمل من أجل مدينة منظمة ونظيفة وجاذبة للاستثمار والسياحة ، لا يمكن دون ان يكون تكامليا ، فهناك العديد من الخطط التي سمعنا بها لم تنفذ ، وهناك تحديات كثيرة تواجه عمل السلطة ، والإدارة الجديدة لم نر منها أي تحرك يذكر ، كل ما سمعناه هو تغييرات في ديكورات المنزل والسيارات والمكاتب ، وكان الأولى التجول في جميع أنحاء المنطقة ، لهذا ، فإنك تجد إن السكان المحليين محبطين ، والزائر القادم من أي مدينة اردنية غير راض عن مستوى الخدمات مقابل ما يدفعه من المال .
ويضيف " خلدون " .. كل مسؤول يأتي يسمعنا النشيد المعهود ، ودون فائدة ، وكل ماتروه هنا هو مما كان قد أنجز في زمن رئاسة المهندس نادر الذهبي لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية ، ولا نتفاءل بالكثير حقيقة في المستقبل ، لأن القدرة الشرائية عند الناس ليست كما كانت عليه ، وارتفاع الاسعار تسبب في عزوف الناس عن ارتياد المتاجر إلا في بعض المناسبات .
الى هنا ، تطفىء " عمون " الضوء عن هذه القراءة السريعة في واقع الحال في بعض مناطق مدينة العقبة ، مما لم يتطرق لها من قبل ، ولم ترها عين الحكومات من قبل ، وان كانت رسالة البعض التركيز على النتائج الجيدة ، فإن الواجب قد حتم علينا الإنتصار لمن لم تذكرهم التقارير ، وهدفنا أولا وأخيرا ، تسليط الضوء على الأماكن المعتمة في المدينة الجميلة ، للمزيد من الاهتمام بها ، والاقتراب أكثر من مساكن الفقراء وأحياء العائلات التي تفترش الشوارع لتنفس الهواء وتبادل اطراف الحديث ، حيث اعتادوا على مرور المركبات فوق حصيرتهم حيث يجلسون .. ومن هنا ندعو المسؤولين الى الاضطلاع بمسؤولياتهم وزيارة تلك المناطق ووضع الخطط المناسبة لتحويل الخسارة الى ربح في اللعبة الاقتصادية الاردنية .
***الصورة لمنطقة الخزان تشاهد فيها البراكيات التي يقطنها مواطنون حضروا الى المنطقة ابان شيوع انباء توزيع تعويضات ومساكن لسكان الشلالة والمنطقة الرابعة في العقبة .